Page 13 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 13
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
جان ريكاردو أمبرتو إيكو البناء الروائي ،فهي رواية الضباب الرمزي الناعم
المهيمن على العقول والأرواح والأجساد بامتياز،
ابن بواب العمارة فأفسد حياته .ثم تتوالى إجراءات ومن ثمة ستكون العلاقة الموحية بين نص العتبة
التبني للطفلة اللاشرعية التي أسمتها (قاهرة)،
الأولى متمثلة في هذا العنوان المكون من مبتدأ نكرة
وتعكس إجراءات التبني التي تحاول بها ريم الغزال وخبر أكثر نك ًرا سيكون البناء السردي كله عبارة
أن تنقل قاهرة من سياق اللاشرعي إلى سياق
عن خبره المضبب المعتم ،فعندما نتأمل تركيب
شرعي ،وهنا تبدأ بذرة الرمز السردي في التوالد الجار والمجرور سنجد أن هذه القاهرة هي في
والنمو لترمز هذه الطفلة اللقيطة إلى الواقع المصري الأصل مقهورة لا قاهرة يجرها إليه تكوين ضبابي
اللقيط الذي يفتقد شرعيته إلى حد كبير ،لذلك مرت محير ،ولعل لفظة الضباب هي التي ستنتشر
إجراءات تبني الطفلة عبر سياقات قانونية غاية في وتتكاثر على طوال البناء السردي سواء في موقف
الشخصيات وطبائعها وسلوكياتها وتلاشي
العدوانية والقسوة والغباء ومساومة العسكري الأزمنة واختناق الأمكنة ،إنها اللفظة التي صنعت
لريم الغزال في كل خطوة من خطوات التبني ،مع التحبيك النصي على طوال الرواية .فمنذ اللحظات
أن ريم الغزال تقوم بعمل إنساني لوجه الله ،لكن السردية الأولى ينتشر غبش الضباب أمام ناظري
الواقع الاجتماعي المحيط بها لا يسمح ببصيص الساردة البطلة ريم الغزال التي تحس دائ ًما فور
نزولها القاهرة أن ثمة شيء يستلب منها في هذه
نور إنساني ولو ضئيل ،ويوازي هذه اللوحة المدينة ،شيء غامض لا تدرك كنهه يظل يشدها هذا
الفاسدة لوحات سردية أخرى تتجلي في مأساة الشيء الغامض لتقبض عليه لكنها لا تستطيع بل
شخصية مادلين التي عادت لمصر مؤخ ًرا بعد تظل معلقة محيرة بين غموض هذا الشىء المراوغ
قيام الثورة ،ثم تفقد ولديها في أحداث الثورة ،ثم وبين واقعها المدبب القاسي .تقول الساردة في
تلجأ لصديقتها مديحة صديقة سها وهي زوجة
شخصية سياسية كبيرة وتطلب إليها أن تساعد مفتتح روايتها:
صديقتها مادلين ،لكن سها تغدر بصديقة عمرها «كما يعكس صورة الضباب المؤلم المراوغ
مديحة ،ورغم استغاثات مديحة المتعددة بسها حتى هذا الحوار القلق بينها وبين سائق التاكسي
تنقذ مادلين وولديها من بطش السلطة لكن سها المستغل الذي أوصلها لمكانها وجعلها تتساءل:
ما هذه الطاقة السلبية التي تمكنت من الناس في
القاهرة؟!» .وينتشر هذا الضباب المراوغ المؤلم على
طوال البناء السردي ،فمنذ اللحظة الأولي تدخل
البطلة ريم الغزال في منولوج نفسي مؤلم يصور
قلقها الفادح تجاه ابنها نبيل الشاب المنحرف شارب
المخدرات والذي يعالج في مصحة نفسية ،وتتوالى
لقطات السرد مجسدة أحواله النفسية والاجتماعية
الموازي لحال الواقع المر القائم على غياب العقلانية
والسواء النفسي .ثم تتصل بالشيخ سعيد الذي
يتصل بالشيخ مرعي ببورسعيد ليساعدها في تولي
أمر الطفلة اللقيطة الموازي لضياع الطفولة رمز
البراءة والنقاء والجذور الطبيعية في مجتمع تتداعي
أسسه اعتقاد ًّيا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا ،تتبني البطلة
ريم الغزال الطفلة اللقيطة لتكون عو ًضا لها عن
افتقاد أمومتها مع ابنها نبيل المنحرف الذي التقطه