Page 16 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 16
العـدد 29 14
مايو ٢٠٢1
المفاجىء والتحولات القسرية المجهولة في حادثة فع ًل في الواقع الفعلي واتهامه وتزوير صورته
الغياب القسري لابني مادلين التي رجعت إلي وتلويث سمعته ،ثم يتحول أهل الحي المغشوشين
وطنها مصر بعد رحلة اغتراب طويلة في أمريكا فجأة من النقيض للنقيض فيتهمون رجل الخير
بالاتفاق مع زوجها الأستاذ الجامعي الذي ظل في الذي عاش بينهم سنين يفعل الخيرات وكأن ما
أمريكا .اختفاء عبثي قسري لولديها وظلت والدتهما يتم التنبؤ به على المستوى الافتراضي الوهمي يتم
مادلين تعاني من حالات نفسية هستيرية لكنها لم بالفعل على أرض الواقع ،فكأن الوهم يقود الواقع،
تصل إلى شيء واضح بصدد مصيرهما ،وبمحض والكذب يقود الصدق ،فيترنح وعي الشخصيات
بين صورة الشيخ الحقيقية التي كان عليها طوال
الصدفة تعثر صديقتها مديحة على صفحات حياته كرجل خير ودعوة فاضلة ،وبين صورته
التواصل الاجتماعي على خبر العثور على جثة
طالب هندسة ملقى في الطريق الصحراوي مقتو ًل، الافتراضية المزورة اليوم في الإعلام بأنه كان
فتولتها الحيرة والذهول ،كيف يقتلون مسيحيًّا؟ زير نساء يتحرش بهن وله أفلام ممنوعة وجدتها
ألا يخشون الفتنة؟ لكنها استدركت فقالت بأنهم
سيقتلون بيسر فاجع ولسوف يطلقون عليه لفظة الحكومة في بيته ،وأنه إرهابي عتيد ممول من
إرهابى؟! كل شىء معد سل ًفا فالوقع الافتراضي جهات أجنبية لتخريب الوطن ،فيترنح وعي البطلة
الكاذب يستبق الواقع التاريخي الفعلي .ولعل ريم الغزال بين صورة الأمس وصورة اليوم فما
القارئ يلحظ على طوال البناء السردي هذا الانزلاق
السهل السريع بين الموت والحياة مما يؤكد انعدام أقرب الصورتين وما أبعدهما في الوقت نفسه،
الخط الفاصل بين الوهم والحقيقة ،وهو نفس الخط فتحس بأن كل شيء ثابت صار يتبخر في الهواء
الوهمي الضبابي المحير الذي انزلقت إليه ذاكرة الفاسد الملغوم بعد أن اقتلع الواقع نفسه وطفا فوق
الساردة ريم الغزال تقارن بين ما قرأه حبيبها بحيرة من الكذب والغموض والتلاشي ،فكل شيء
الهارب حسن على الفيس بخصوص مقتل شيخ
مسن على يد شاب إرهابي ،وبين ما حدث بالفعل يسبح في الريبة فيحيا حياة وهمية هشة ،تقول
في الواقع الفعلي وتم قتل الشيخ عاطف المسن السارة في ص:109
بالفعل وكان فاع ًل للخيرات في الحي ثم تم تلويث
سيرته فوصم بالإرهاب والتحرش بالنساء وحيازة «كانت المفاجأة الصادمة للبطلة ريم الغزال في
دولارات من جهة مجهولة ،وهي الدولارات التي اهتزاز صورة الخير الراسخة للشيخ مرعي في
كان يرسلها إليه ابنه من أمريكا ليعتاش بها وينفق عقول أهل الحى .ما الذي حدث لوعي الناس؟
منها على مساكين الحي ،تنقلب الصورة فتنزلق إنهم في غش يعمهون» ،وفي موقف إنساني مؤثر
بيسر فاجع من الأبيض إلى الأسود مباشرة كما تصطحب البطلة ريم الغزال زوجة الشيخ المقتول
يتم انزلاق وعي الناس العاديين على الفور من مرعي حنان إلى المستشفي بعد أن أصيبت بعد
الترحم على الشيخ المسن الذي كان ينفق عليهم إلى قتل زوجها ،ففي أثناء سيرهما في الشارع تتعجب
رجمه ووصمه بأبشع الصفات ،إن قصر المسافة البطلة من تحولات وعي الناس من النقيض إلى
بين صورة الصورتين المتناقضتين زج بالساردة النقيض ،فالجميع ينقلبون على معتقداتهم الراسخة
ريم الغزال إلى مجاهيل الحيرة وضبابية الذهول، السابقة جراء ضبابية الرؤية ،تقول الراوية على
هل هي في كابوس واقعي أم في واقع كابوسى؟
لسان البطلة (حتى نهاية ص:)113
شبحية الحياة وضلال الصور إنه عالم كابوسي بامتياز يتحول فيه بين عشية
لعل سمة طغيان الوهمي على الواقعي والمعتم وضحاها العابد إلى مجرم ،والفاجر إلى تقي،
والوطني إلى خائن ،والخائن إلى وطني ،لقد تم
تفكيك كل شيء ،انفكت الأسماء عن مسمياتها،
وطارت الأشياء عن جذورها وعام المجتمع في
سيولة محيرة من التمويه والخداع والأكاذيب،
واتخذت شخصيات الرواية وأحداثها شكل هذا
الواقع الممزق المتفجر .نلحظ ذلك في آليات الانقلاب