Page 20 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 20

‫العـدد ‪29‬‬  ‫‪18‬‬

                                                    ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

         ‫‪ -1‬التناص الخلاق‬                             ‫المضادة يبدأ من عنوان الديوان الذي يمثل عتبة‬
                                                         ‫أولى تؤكد هذه الرؤية الشعرية المضادة التي‬
     ‫ذكرنا أن الشاعرة حين تتناص مع نصوص‬
  ‫سابقة فإنها تحورها وفقا لتلك الرؤية الشعرية‬          ‫تسكن روح الشاعرة على النحو الذي سنراه في‬
 ‫المضادة التي لا تكتفي بدلالة واحدة للنص الذي‬           ‫الدراسة‪ ،‬وياسمين تؤسس شعريتها المضادة‬
 ‫تتماس معه‪ ،‬ففي إطار شعرية التضاد والوقوف‬
 ‫على الطرف الآخر من كل شيء تنقلب دلالة النار‬          ‫معتمدة على عدة آليات تشتغل على اللفظ والمجاز‬
 ‫إلى النقيض لتصبح جنة ذات طبيعة خاصة‪ ،‬وفي‬             ‫والرؤية القائمة على الانزياح المستمر لا للألفاظ‬
                                                    ‫ولكن للعبارات والنصوص بل والديوان في كليته‪،‬‬
    ‫قصيدة أخرى يصبح الغارقون بالطوفان هم‬
                                 ‫ركاب السفينة‪:‬‬           ‫فأنت لن تستطيع أن تدرك الدلالة ولا تتبين‬
                                                          ‫معاني الكلمات إلا بانتهاء النص‪ ،‬إذ التأجيل‬
           ‫معي في السفينة من كل زوجين اثنين‬              ‫هو السمة الغالبة على القصائد لا بمعنى دس‬
                      ‫ولا عاصم لي من الطوفان‬           ‫المعنى واصطناع الغموض‪ ،‬إنما عن طريق الفك‬
                                                       ‫والتركيب والإزاحة المستمرة للدلالات‪ ،‬دون أن‬
     ‫وفي تلك القصيدة نجد هذا النمط من المفارقة‬       ‫تسقط في بئر الغموض أو تطفو على زبد المباشرة‬
‫وعمليات القلب بشكل مستمر‪ ،‬استمع إليها تقول‪:‬‬
                                                                                        ‫والتسطيح‪.‬‬
                       ‫الحقيقة ثعبا ٌن يغير جلده‬           ‫ولنعد إلى دال النار في القصيدة التي تحمل‬
                            ‫وأنا أصدقكم جمي ًعا‬        ‫عنوان الديوان نجد أن الكلمة لا تحيل إلى دلالة‬
                                                     ‫محددة‪ ،‬وإن أحالت‪ ،‬فإنها تحيل إلى الدال المضاد‬
  ‫وفي قصيدتها ما قبل سفر التكوين تقدم رؤيته‬           ‫لها‪ ،‬فجنتكم هي ناري وناركم هي جنتي‪ ،‬حيث‬
       ‫لكونها الشعري الخاص‪ ،‬ومن خلال رؤية‬              ‫تحولت النار إلى بؤرة من الاحتمالات وخرجت‬
                                       ‫مضادة‪:‬‬               ‫عن كونها علامة ثابتة الدلالة أي معجمية‬
                     ‫لم يعلمها الرب اس ًما واح ًدا‬     ‫قاموسية‪ ،‬إلى كونها طاقة إيحائية وبؤرة تشع‬
         ‫لكنها تجلس مع الصغا ِر لتكون الأسماء‬          ‫بالدلالات على مستوى النص في كليته‪ ،‬متعددة‬
                           ‫من ثأثأ ِتهم الفرضية‬         ‫الدلالة متنوعة التاثيرات‪ ،‬تتضاد من مدلولات‬
                         ‫أول صوت‪ ..‬ححح ببب‬          ‫الكلمة وسياقاتها المعجمية والتراثية وتشتبك معها‬
                                                    ‫في آن واحد‪ ،‬وإذا تأملنا لفظة مزاج نجد أنها تقوم‬
  ‫وهنا يحضر الصوت المضاد لأمل دنقل في أكثر‬              ‫على الخط والتكوين من أكثر من عنصر‪ ،‬ومن‬
‫من موضع‪« :‬ولا أريد من أحد أن يوقف في رأسي‬           ‫معانيها المعجمية‪ ،‬رجل َم َّزا ٌج‪ُ :‬م َخل ٌط ك َّذاب لا يث ُبت‬
                                                     ‫على ُخلُق‪ ،‬إِنما هو ذو َأخلاق متقلِّ َبة‪ ،‬ومنها أيضا‬
                           ‫الطواحين»‪( .‬ص‪)47‬‬          ‫المِ َزا ُج وجمعها أمزجة‪ ،‬المعبر عن الحال والطبيعة‬
‫والحقيقة أن الشاعرة لديها قدرة فائقة على تخليق‬         ‫البشرية في سوداويتها أو تفاؤلها‪ ،‬لكن الدلالة‬
                                                    ‫تنجلي وتكشف عن مكنونها من خلال النص الذي‬
    ‫أساطيرها الخاصة من أجل تكوين خاص‪ ،‬أو‬            ‫يحمل اسم العنوان من ناحية‪ ،‬ومن خلال التناص‬
‫كون خاص ينفتح زما ًنا ومكا ًنا لأبعد من التاريخ‬          ‫مع القرآن الكريم في وصفه للجنة من ناحية‬
  ‫وأوسع من الكون‪ ،‬وهي إذا تفعل ذلك تتكئ على‬         ‫أخرى‪ ،‬لندرك أن الشاعرة تقف على الجانب الآخر‬
 ‫أساطير الخلق بتنويعات مختلفة‪ ،‬تأخذ من بعض‬             ‫في شعريتها التي تمتح من التراث لتعيد ترتيبه‬
                                                     ‫من وجهة نظر شعرية متفردة‪ ،‬ولذا نتوقف أمام‬
   ‫مفرداتها مرقاة لتخليق أساطيرها دون افتئات‬            ‫التناص بوصفه آلية أساسية في بناء الشاعرة‬
 ‫أو وقوع في أسر السرديات الدينية الكبرى‪ ،‬فهي‬
  ‫تصنع سردياتها الخاصة‪ ،‬في الوقت الذي تأخذ‬                                       ‫لشعريتها المتفردة‪.‬‬

    ‫مفردات أساطيرها منها وتعيد بناءها فاستمع‬
                                    ‫إليها تقول‪:‬‬

   ‫تلد حواء من تلقا ِء نف ِسها نجو ًما لترضع اللبن‬
     ‫يحمل آدم شم ًسا على ظه ِره تضيء له النهر‬
       ‫يتأبط ال ُحب عن يمينِه والذكرى عن يساره‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25