Page 22 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 22
العـدد 29 20
مايو ٢٠٢1
بينهما في اللازمن ،وتظهر المقاومة في الدعوة بالإنسان والحقيقة بالأسطورة في وحدة كلية
للبقاء على تلك الطبيعة ومن هنا جاء الأمر مباش ًرا متفردة.
(لا تفضحي خريفك) بوصفه دعوة للمقاومة لكل
رداء زائف وإبراز الطبيعة الوحشية في عنفوانها. -3مخالفة النسق
وفي قصيدة ثقب برأس الأرض تستحضر تاري ًخا
آخر وزما ًنا آخر ما بعد الموت ،زمان يفرخ ملائكة حين تنسال القصيدة نجدها لدى الشاعر تأتي
في شكل موزون موسيقي ووفق تفعيلة ما ،لكن
وشياطين ،تجعل للموت نكهة أخرى أو بعثًا الشاعرة وبناء على تلك النزعة التي تتلبسها في
جدي ًدا وحياة خصبة ومتجددة ،هي حياة المرأة المخالفة والمغايرة سرعان ما تخرج عن التفعيلة
الأولى ،المرأة الوحشية: المتكررة الرتيبة إلى رحابة النثر الذي لا تعنيه
وضعون ِي في غرف ِة رطبة صالحة للمو ِت أراها الموسيقى الصاخبة بقدر ما تعنيها التجربة في
صالحة للحياة كليتها وقدرتها الإيحائية لا التعبيرية ،تقول
أخلع كفني كما اعتدت على خلع ثيابي لأنام ياسمين:
أتصادق مع الدو ِد حاملة قلبي فر ًخا في قفة يتنطط ببلاهة
أجعله يأكل بشرتي الميتة وتقول :عين واحدة
حبل صوتي واحد
لأظل نضر ًة للأبد..
أرجع حواء الأولى وفي أكثر من مقطع نجد أنها تعاند النسق
وأبحث بين العظا ِم عن آد ِمي لم أجده فوق الأر ِض الموسيقي لصالح تشتت النثر وتشظيه ،لكي لا
حيث لا تترك المرأة للموت أن ينال منها إلا ما هو يعلو الصوت على الحالة ،والتطريب على العمق
ميت بالفعل ،ووراءه خصب دائم لا يستطيع الموت
الوصول إليه ،ولذا يمكننا أن نرى التجانس فيما ويحدث ذلك كثي ًرا لدرجة أنك تشعر بأنها
لا تجانس فيه ،ويأخذ الموت حلة جديدة مثيرة تحول دون انسياب القصيدة موسيقيًّا والإيقاع
تحرك المشاعر أكثر مما تدعو إلى الدهشة ،فالأمر التكراري الرتيب لتخرج إلى أفق المغايرة الواسع.
لا يتوقف عند تجميل الموت بقدر ما يرتبط برؤية
كلية أوسع منه دائرة لا تعرف الفناء: -4الصوت والصدى ،استراتيجية القلب
الرمل الذي يحشو فمي أزرعه ياسمينًا وبطاطا
أعصر آخر ما تبقى من دمي في قصيدة لا تفضحي خريفك نحن أمام ذات
ألون ب ِه الفيونكة على با ِب القب ِر منقسمة وحوار داخلي وخارجي في الوقت نفسه،
هي قطعة ِمن ك ِفني
ولا أحب الأبي ِض ف ِي مث ِل هذي المناسبات فلن تعرف من منهما الصوت أو الصدى حتى
تذكرني هذه القصيدة بقصيدة شهيرة لبودلير وإن جاء على لسان خشب الباب ،لكن صوت
ترجمت –عربيًّا -مرة بجيفة ومرة بجثة ،حيث الفطرة والطبيعة والمرأة المتوحشة هو الصوت
تشتغل فيها الصور للجمع بين ما نعتقد بعدم
تناسبه أو اجتماعه ،وتعيد تنسيق علاقات نظنها الأعلى ،حيث يحكي الباب عن تاريخه الثرى المليء
لا وجود لها ولكنها تحمل المعنى المميز لحقيقة بالمحبة قبل أن يعرف الإنسان أو يعرف التاريخ،
الشعر ،والاستعارة هي الوسيلة الأساسية في عقد
تلك العلاقات والجمع بين حقول دلالية مختلفة أو ومن الملاحظ أن الصوتين يتداخلان فلا تدري
أيهما الصوت وأيهما الصدى ،لكن ما يصلنا هو
بعيدة كل البعد. محض حالة حنينية فطرية لعالم آخر ،عالم ما قبل
والأمر ذاته في قصيدتها (اسمح للصمت أن الصناعة أو عالم ما قبل الإنسان ،حيث الطبيعة
يغازلك) ،حيث تقوم الشاعرة بعمليات تفكيك
في ظهورها البكر ،لكن تظل الحركة البندولية
بين الشجرة المصنوعة والأنثى مستمرة تتسع
من خلال الأسطر في تأكيد هذا التداخل الخصب