Page 27 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 27
25 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
عبد الخالق الركابي علي بدر بشك ٍل خاص والتي دفعت بـ(نهى) للتفكير بطبع
كتاب باسم (أزمنة بيت الكتبخاني).
الشخصيات التاريخية ،مثلما نعد (نهى جابر
الكتبخاني) وكي ًل آخر بين الشخصيات المعاصرة، « علام الحيرة؟ قرار مثل هذا سابق لأوانه،
وسأفكر بالأمر متى ما اعترفت طبع كتاب «أزمنة
فكلا الشخصيتين تحملان نزو ًعا تنوير ًّيا جريئًا
ورف ًضا للظلم والتعسف واستعباد الإنسان ومي ًل الكتبخاني».
ومن هنا نرى دلالة العنوان بوصفه عتبة نصية
جار ًفا نحو الحب والجمال والحياة. دالة ومؤثرة ،كما يذهب إلى ذلك الناقد (جيرار
لقد عبر (صبحي الكتبخاني) عن منظور سياسي جينيت) .كما يمكن الاستنارة بالعتبات النصية
وفكري عراقي منفتح في مواجهة سياسات الإقصاء الثلاثة التي قدمت بها الروائية روايتها فض ًل عن
والابتلاع وغسيل العقول .فقد رفض هيمنة الدولة العنوانات الفرعية للفصول والمقتبسات الدالة التي
كانت توشح مقدمات هذه الفصول .وسأكتفي
العثمانية على المجتمع العراقي ،وما كان دعمه بأنموذج واحد من العتبات النصة لدلالته المباشرة
لجمعية (الاتحاد والترقي) في البداية ،إلا رغبة في على أجواء الرواية هو أنموذج الروائي اللبناني-
إسقاط الهيمنة العثمانية والتمهيد لتحقيق استقلال الفرنسي أمين معلوف الذي يقول« :مرت الحرب
العراق .وعندما اكتشف لاح ًقا أن جمعية (الاتحاد من هنا ،ولم يسلم منها بيت أو تسلم منها ذكرى.
والترقي) هي منظمة قومية تركية متطرفة تسعى لقد فسد كل شيء :الصداقة ،الحب ،والإخلاص،
لتتريك العرب وبقية شعوب الدولة العثمانية ،تخلى
عنها ،كما رفض التعاون مع الإدارة الإنجليزية التي وصلات القربى والإيمان ،كما الوفاء ،وكذلك
احتلت العراق بعد الحرب العالمية الأولى ،وظل يحلم الموت».
بتحقيق السيادة الكاملة للعراقيين على أراضيهم،
في روايتها هذه نجحت الروائية في خلق العشرات
بعي ًدا عن أي شكل من أشكال الاحتلال. من الشخصيات الرئيسية والثانوية التي جسدت
لقد كان (رأفت الخيامي) على حق عندما كتب في اتجاهات وشرائح اجتماعية داخل المجتمع العراقي،
خلال هذه الفترة الخصبة ،وقامت بوظائف وأدوار
مذكراته عن الجد صبحي الكتبخاني بأنه حالم متنوعة .ومن المهم في كل ذلك أن الرواية استطاعت
وثائر( .ص )514وربما يمكن أن نقول إنه حالم أن تنتصر للإنسان ضد الظلم والعبودية والتعسف،
وأن تقدم منظو ًرا وطنيًّا شام ًل لتقييم مختلف
الأنظمة التي مرت بالعراق الحديث طيلة أكثر من
قرن من الزمن .إ ْذ رفضت شخصيات الرواية
الرئيسية ،وبشكل خاص الجد صبحي الكتبخاني،
ونهى جابر الكتبخاني ،مختلف مظاهر العبودية
والاسترقاق التي يتعرض لها الإنسان ،وتحدت
القيم والتابوات الاجتماعية ،وبشكل خاص من
خلال سيرة الجد (صبحي الكتبخاني) الذي أصر
على الدراسة خارج العراق ،والزواج من نبفشة،
التي بيعت ،بوصفها سبيًا ،في سوق النخاسة،
ورفضه تملق الحكام العثمانيين والإنجليز ،ودفاعه
الدائم عن حق العراق بالاستقلال الناجز.
لقد كانت شخصية الجد (صبحي الكتبخاني)
ممتلئة وأحد رموز التنوير داخل المجتمع العراقي،
ويمكن أن نعدها «وكي ًل» للمؤلفة ،من بين