Page 31 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 31

‫‪29‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

                                                                                ‫والنّمط؛ وبذلك يبدو الأدب الحداث ّي‬
                                                                                     ‫هو أدب قيم ّي لا زمن ّي فقط‪.‬‬

                                                                                  ‫الأدب الحداث ّي يعني عند «مالكم‬
                                                                                    ‫برادبري» هو التّحليل والتّأ ّمل‬
                                                                                ‫والهروب والخيال وإطلاق‬

                                                                                ‫العنان للأحلام‪ ،‬كما يعني الف ّن‬

                                                                                ‫عنده تحويل الواقع إلى خيال‬

                                                                                ‫نسب ّي‪ ،‬وهو ق ّص يص ّور عوالم‬
                                                                                   ‫تكتنفها المخاطر والكوابيس‬
                                                                                ‫والموت‪ ،‬متوس ًل إلى ذلك بال ّشكل‬
                                                                                ‫التّجريدي والخيال المكثّف الذي‬
                                                                                ‫يعلّق على نفسه بتراكيب رمز ّية‬
                                                                                ‫وتخيليّة‪ ،‬والق ّص الحداث ّي ينبع‬
                                                                                ‫من مشكلة أ ّن عالم الواقع ليس‬

‫محمد إسليم‬  ‫زهور كرام‬                                               ‫سعيد يقطين‬     ‫وحده الذي أصبح غريبًا عن‬
                                                                                     ‫ذات الإنسان‪ ،‬بل إ ّن ال ّذات‬

                                                                                ‫الإنسانيّة نفسها أصبحت مشكلة‬
                                                                                                      ‫بالنّسبة لذاتها‪.‬‬
            ‫التّخريب والتّهديم بح ّجة التّجديد والحداثة وما بعدها‪،‬‬  ‫فالحداثة هي إعادة نظر في المرجعيّات والقيم والمعايير‪،‬‬
              ‫وهؤلاء سرعان ما يسقطون في ال ّظ ّل والعدم؛ لأ ّنهم‬
                                 ‫باختصار ليسوا مبدعين أب ًدا‪.‬‬         ‫وهي رؤيا جديدة لذلك كلّه‪ ،‬وتعبّر عن المقلق والمثير‪،‬‬
                                                                      ‫وهي تجديد للّغة‪ ،‬وتحرير للمخيّلة‪ ،‬وتجاوز للحدود‬
            ‫كما أ ّن هذه اللّعبة قد تروق للكثيرين لل ّدخول في حقل‬   ‫الوهميّة التي تفصل الواقع عن اللاّواقع‪ ،‬وهذه الحداثة‬
              ‫الأدب‪ ،‬وهم ليسوا أه ًل لذلك لمج ّرد اعتقادهم بأ ّنهم‬
                                                                            ‫تستوجب حساسيّة جديدة تجاه هذا العصر‪.‬‬
            ‫يملكون من الحيل ال ّشكليّة والمضمونيّة والاستفزاز ّية‬   ‫أ ّما الحساسيّة الجديدة فهي تعبّر عن وعي خا ّص تجاه‬
            ‫‪-‬إن جاز التّعبير‪ -‬م ّما يجعلهم قادرين على ال ّدخول في‬
                                ‫صفوف المبدعين‪.‬‬                        ‫الأشياء سواء في ال ّشكل أم في المضمون‪ ،‬وهذا الوعي‬
                                                                         ‫يقوم على تقنيّات كسر التّرتيب ال ّسرد ّي‪ ،‬وتجاوز‬
‫ثان ًيا‪ :‬الغوص في مجتمع ّية الأدب وتحطيم‬                            ‫العقدة التّقليد ّية‪ ،‬والغوص إلى ال ّداخل‪ ،‬والتّعلّق بال ّظاهر‪،‬‬
‫الحدود ال ّتقليد ّية للواقع ّيات المختلفة فيه‬
                                                                        ‫وتوسيع دلالة الواقع لكي يعود الحلم والأسطورة‬
  ‫لقد اختفت الأشكال التّقليد ّية للواقعيّات الأدبيّة‪ ،‬مثل‪:‬‬           ‫وال ّشعر إليه‪ ،‬ووضع المعجز والخارق موضع الحقيقة‬
 ‫التّسجيليّة والاشتراكيّة وال ّسح ّر ّية بحدودها ال ّصارمة‬
  ‫وتلاميذها المخلصين لها المتشبّثين بها‪ ،‬وظهر في إزاء‬                  ‫المسلّم بها دون دهشة‪ ،‬والانفتاح على عوالم وأكوان‬
                                                                     ‫ما تحت الوعي‪ ،‬أ ّما ال ّزمن فقد أصبح مه ّش ًما ومح ّط ًما‬
   ‫ذلك أدب جديد يخرج من رحم ال ّظروف الاجتماعيّة‬
    ‫وال ّسياسيّة القلقة التي يعيشها الإنسان العرب ّي في‬                           ‫ضمن توافق نادر عند بعض المبدعين‪.‬‬
 ‫إحداثيّات نفسيّة وتفاعليّة قلقة ج ًّدا؛ لذلك بات الا ّتجاه‬           ‫هذا التّجريب وهذه الحساسيّة وهذا البحث الموصول‬
            ‫واض ًحا نحو الغوص في ا ّتجاه مجتمعيّة الأدب‪ ،‬حيث‬           ‫والمب ّرر والمحموم عن شكل جديد جعل الكثيرين من‬

                                                                        ‫الباحثين عن ال ّشهرة والتّف ّرد يتهافتون على تجاوز‬
                                                                       ‫تابوات مجتمعاتهم لأجل أن يجدوا لهم مكا ًنا وسط‬
                                                                    ‫ال ّزحام‪ ،‬ولأجل أن يلفتوا النّظر إليهم‪ ،‬وإن قادهم ذلك‬
‫المجتمع هو البطل الحقيق ّي فيها الذي تخرج من عباءته‬
‫الأحداث والوقائع ومصائر النّاس ومالآت صراعاتهم‪،‬‬                     ‫إلى الإسفاف أو الاصطدام بمنظوماتهم‪ ،‬أو ال ّدخول في‬
                                                                    ‫عداء علن ّي معها‪ ،‬إلى جانب أ ّن الكثير منهم ينزعون إلى‬
   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36