Page 26 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 26
العـدد 29 24
مايو ٢٠٢1
وتسجيلات صوتية لها علاقة بأسرة الكتبخاني. يقفز التاريخ بقوة إلى سطح الحاضر ويخترقه بقوة
وليس هذا هو الوجه الوحيد للمظهر الميتاسردي عندما تنكشف في الصفحات الأخيرة حقائق سريعة
في الرواية ،إذ إن شغف (نهى) بالتدوين والتوثيق
وتدقيق المخطوطات جعل منها كاتبة لأنها في النهاية سجلتها «بنفشة» زوجة (صبحي الكتبخاني) على
تقرر أن تواصل الكتابة «لكنني أواصل الكتابة به»، إحدى اسطوانات الفونوغراف الذي اقتناه صبحي،
حتى ليمكن القول إن ما دونته (نهى) في الحصيلة
النهائية هو رواية لطفية الدليمي الحالية «عشاق وهدمت هذه الشهادة الصادمة براءة الأشياء
وفونوغراف وأزمنة» ،وعنوانها المثير الذي يضم الظاهرية «أنا نبفشة ،هذا التاجر الذي اشتراني
ثلاثة أقانيم أساسية :هي (عشاق) و(فونوغراف) من النخاس هو ذاته إسماعيل بك الكتبخاني ،والد
و(أزمنة) ،وربما تمثل مفردة «عشاق» جس ًرا نحو زوجي صبحي ،فيكون ولدي منه ،لو بقى حيًّا ،أ ًخا
تأنيث التاريخ السردي العراقي وتاريخ أسرة آل
الكتبخاني ،من خلال الانحياز إلى حكايات الحب لصبحي ،وأ ًخا لولدنا فؤاد»( .ص)٥٨١
التي وسمت تاريخ الأسرة ،ومنها حب صبحي ويحاكم الحاضر إرث الماضي التاريخي بتداعيات
الكتبخاني لبنفشة في مستوى الماضي ،وحب (نهى) نهى النهائية .إ ْذ «صعقت نهى للمفاجأة المخزية،
بطلة الرواية لــ(نادر) في مستوى الحاضر .وهذا وفهمت من نبفشة أن بهجت ،أخ صبحي هو ابن
الانحياز للحب والعشق والجمال منح الرواية ما ًء نبفشة ،وهذا يعني أنه أخ لفؤاد من أمه .أية عائلة
وشفافية ورومانسية وأبعدها عن قتامة الواقع، تنخرها المخازي وتداخل الأنساب؟»( .ص)582
وأحابيل الساسة .أما (الفونوغراف) فهو جزء من
ذاكرة الحداثة الفنية والحضارية ،وهو أي ًضا دليل ويتواصل التعالق بين المستويين التاريخيين في
على الانحياز إلى فضاء الجمال والفن والموسيقى، أكثر من نقطة تماس ،منها المقارنة بين احتلال
فض ًل عن قيمته التوثيقية «الفاضحة» للزيف من الجنرال مود لبغداد عام 1917في نهاية الحرب
خلال تسجيلات (نبفشة) واعترافاتها الرهيبة. العالمية الأولى ،وبين الاحتلال الأمريكي للعراق
ويكشف ال ُبعد الثالث المتمثل بمفردة «أزمنة» عن عام 2003والنتائج الكارثية لذلك .كما أن دلالة
الفضاء الزمني الذي تحركت فيه الرواية لفترة تزيد السقوط الأخلاقي والقيمي لعائلة (آل الكتبخاني)
على المائة عام ،وهي اي ًضا تدوين للتاريخ العراقي
عمو ًما وللأزمنة التي عاشتها أسرة (آل كتبخاني) يفضح الكثير من العوائل الأرستقراطية التي
تتشدق بتاريخها وأمجادها ،والتي تومئ الرواية
لتفاهتها وانحطاطها واستعدادها للتحالف مع
المحتلين من كل الاصناف ،كما فعل آل الكتبخاني
بتحالفهم مع الاحتلال التركي للعراق أو ًل،
والاحتلال البريطاني لاح ًقا ،وسلوك عدد من أحفاد
عائلة الكتبخاني سلو ًكا انتهاز ًّيا بالتحالف مع ممثلي
الاحتلال الأمريكي ،والتعاون مع الأحزاب
والواجهات الطفيلية التي أفرزها الاحتلال.
وتكشف رواية لطفية الدليمي عن جوهر
ميتا سردي واضح من خلال الاتكاء على
استنطاق المخطوطات التي تركها صبحي
الكتبخاني جد (نهى) أسا ًسا ،وتلك التي
تركها (فؤاد) ،وهي المهمة التي أوكلها
(جابر الكتبخاني) لابنته (نهى) بعد عودتها
من باريس و(أورثها) صندوقين مليئين
بالمخطوطات والمذكرات ،فض ًل عن جهاز
فونوغراف أو (غرامافون) قديم من طراز
(أديسون) يحتوي على وثائق وبيانات