Page 25 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
حد كبير .وفي هذه الروايات
كان الإنسان العراقي هو
مركز الكون السردي ،وربما
هدفه أي ًضا .وجاءت روايتا
لطفية الدليمي وميسلون
هادي لتأنيث هذا التاريخ
الدموي ،المعقد ،ومنحه غلالة
رومانسية شفافة تنتصر
قبل كل شيء للحب والحرية
والجمال.
تستهل لطفية الدليمي
روايتها «عشاق وفونوغراف
وأزمنة» من خلال سرد
ذاتي عبر عيني بطلة الرواية
وساردتها المركزية «نهى
عبد الرحمن منيف لطيفة الدليمي أمين معلوف جابر الكتبخاني» ،وهي
تراقب العالم الخارجي أثناء
المظلمة آنذاك ،نحو يوتوبيا افتراضية تتمثل في طوافها في مترو الأنفاق في
المنفى خارج العراق -« :سأحجز تذكرتين لي ،ولك، باريس ،ويلفت نظرها بصورة خاطفة ظل رجل
متخيل افتراضي كان يراودها ،ربما هو فارس
غ ًدا إلى إسطنبول».
وتتحرك الرواية بين مستويين زمنيين :مستوى أحلامها .وهذه اللقطة العابرة تنبئ عن الجذر
التأنيثي الذي ستتخذه الرواية في إعادة تأويل
الحاضر الذي يمثله سرد بطلة الرواية (نهى التاريخ العراقي سرد ًّيا ،لأنه يظل يلوح لها في
جابر الكتبخاني) وهو سرد مهيمن تبدأ وتنتهي الكثير من مراحل حياتها ،بوصفه حل ًما مشتهى،
به الرواية ،وهو الزمن العراقي الديستوبي الذي وهي تردد في وعيها مثل لازمة موسيقية مقولة
أعقب الاحتلال وسادت فيه الفوضى والصراعات (ابن سينا) التي يذهب فيها إلى أن «المستعد للشيء
الطائفية والأنشطة الإرهابية. تكفيه أضعف أسبابه»( .ص)٩
« من نافذة المترو المتباطئ ،بين الأصوات المعدنية ،أما الزمن الآخر ،فهو الزمن التاريخي والذي يمتد
وهسيس اللغات ،ينبثق طيف رجل طالما تراءى لها من العقود الأخيرة للدولة العثمانية في العراق
وحتى الوقت الحاضر ،وهو من الناحية الشكلية
في أحلامها ،يمر الآن كبرق خاطف على رصيف
زمن وثائقي يرتكن إلى قراءة مخطوطات ومذكرات
المحطة»( .ص)9
تاريخية كتبها جد (نهى) (صبحي إسماعيل
وتظل هذه الرؤيا الحلمية لفارس الأحلام تتردد
الكتبخاني) ،لكنه في الواقع زمن سردي تخيلي
مثل صدى في حياتها إلى أن تلتقي بشخصية
«نادر» الشاب والعالم الفيزياوي المنطوي على ذاته ،افتراضي ابتكرته الروائية ،ومنحته -لغرض
التمويه -درجة «الوثائقية» و»التسجيلية».
وكادت (نهى) أن تصرخ مثل أرخميدس وتقول
ويتحرك هذان العالمان بتعالق داخلي ،لتحقيق تكامل
«وجدتها» ،فقد تطابق حلمها مع الحقيقة الحسية
سردي وتاريخي يتمركز حول كتابة تاريخ أسرة
التي تنبأت بها متمثلة بشخصية «نادر» ،رجل
حياتها ورجل الرؤيا ،الذي لن تتركه لعزلته ،حيث (آل الكتبخاني) ،لتحقيق عدة أهداف ،ومنها ،حسب
مفهوم بول ريكور «هوية سردية» خاصة بها .إذ تختطفه في آخر المطاف من «الديستوبيا» العراقية