Page 21 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 21

‫‪19‬‬        ‫إبداع ومبدعون‬

          ‫رؤى نقدية‬

‫أمل دنقل‬                 ‫شارل بودلير‬                                      ‫والشوق رابطة عنق تخنقه‬
                                                              ‫يما ِرس عمله كبطل لفيلم صامت وممل‬
  ‫نقل القلق للمتلقي إزاء أمر حسي محض تجاوز‬
  ‫حسيته ليتسلل إلى عمق الأشياء ويتسع ليتحول‬                             ‫صبا ًحا يقلم شجر الاشتهاء‬
   ‫إلى ظاهرة وجودية تشغل حي ًزا زمانيًّا ومكانيًّا‬     ‫يتناول المعرفة مع الشيطا ِن على مائد ِة الإفطار‬

      ‫من الذات‪ ،‬وتثير فيها هذه الحالة التي تصل‬             ‫حين المغيب يذبح كوكبين شريدين لغدائه‬
   ‫إلى المتلقي؛ الغاية الثانية أنه بنى من خلال تلك‬                            ‫في الليل يشتد الحنين‬
‫الأسئلة رؤيته لمعنى الوحدة وكيف يكون توحشها‬
                                                         ‫يكتب على كل شج ِر الغاب ِة‪« ..‬أحبِك يا حواء»‬
      ‫ومن ثم نقلت إلى المتلقي الإحساس بالشيء‬              ‫هنا نجد خلطة شعرية تمتح من السرديات‬
  ‫(الهالات) كما تدرك لا كما تعرف‪ ،‬ولأن الأسئلة‬       ‫الدينية أسماءها لكنها تختط لها طري ًقا آخر يربط‬
                                                          ‫السماء بالأرض والبشري بالكوني‪ ،‬اليومي‬
    ‫أخذت طاب ًعا حسيًّا تجسيد ًّيا للهالات السوداء‬   ‫بالأسطوري الخارج عن الزمن‪ ،‬القديم بالمعاصر‪،‬‬
 ‫كان اللون الأسود هو اللون الأساسي المتكرر في‬             ‫وهذه إحدى ركائز شعرية ياسمين صلاح‪،‬‬
                                                    ‫وأقصد هنا القدرة الفائقة على فتح النصوص على‬
   ‫جل الأسئلة‪ ،‬وبناء على عملية جمع تلك الأسئلة‬        ‫آخرها وامتصاص النصوص وخلطها في خلاط‬
    ‫رغم تنوعها ما بين الداخل والخارج‪ ،‬والضيق‬            ‫شعريتها المدهش‪ ،‬وفي هذا الإطار يمكنك قلب‬
‫والاتساع‪ ،‬لكنها تؤدي إلى تعريف متكامل للوحدة‬            ‫المعنى ونقل الألفاظ عن دلالتها بسهولة‪ ،‬دون‬
   ‫تعري ًفا حسيًّا جعل من الوحدة وح ًشا له شكله‬        ‫أدنى تغير دلالي؛ ذلك أن اللفظ يكتسب دلالاته‬
   ‫الهلامي المكون من أشياء متنافرة لكنه متجسد‬            ‫المستحدثة من النص ذاته‪ ،‬فالنار هي مقلوب‬
   ‫على كل حال وصورته النهائية هي هالات حول‬          ‫الجنة‪ ،‬وآدم غير آدم وحواء غير حواء والموت هو‬
     ‫العينين حسيًّا‪ ،‬لكن امتداداته الزمكانية تتسع‬
    ‫لتجعل منه وحدة آبدة‪ ،‬وحدة متوحشة لامرأة‬                                ‫الحياة والحياة هي الموت‪:‬‬
 ‫متوحشة‪ ،‬امرأة بدائية تم القضاء عليها ومحوها‪،‬‬                                 ‫لتفتنه بأزرقها المحرم‬
     ‫وعليها فإن النص يصنع رؤية خاصة يختلط‬
  ‫فيها اللون بالصوت بالرائحة‪ ،‬والحيوان بالنبات‬                             ‫وفي كام ِل عريها الأنثوي‬
                                                                             ‫وكام ِل طاقتِه الذكورية‬
                                                                                        ‫يحل العماء‬

                                                                      ‫إلا من بقعة تصله بآخ ِر الكون‬

                                                             ‫‪ -2‬شعرية التساؤل‬

                                                        ‫في قصيدة توحش ينفتح الحوار بين الشاعرة‬
                                                        ‫والمرآة حول هالاتها السوداء عن حيرة تجعل‬
                                                       ‫من التساؤلات المتتابعة فضا ًء واس ًعا لكثير من‬
                                                       ‫الدلالات والإحياءت التي تتشكل منها التجربة‪،‬‬
                                                    ‫تلك الأسئلة المتتابعة هي في ذاتها أجوبة القصيدة‪،‬‬
                                                        ‫فهي أجوبة ولكن في شكل أسئلة ومن ثم هي‬
                                                        ‫ليست بحاجة إلى جواب‪ ،‬إذ إنها جواب ذاتها‪،‬‬
                                                      ‫من خلالها نكتشف طبيعة التجربة‪ ،‬والتي تغلق‬

                                                          ‫بحوار ختامي يجعل من الوحدة جما ًعا لكل‬
                                                       ‫تلك الأسئلة الأجوبة التي استطاعت من خلال‬
                                                       ‫تلك الصيغ التساؤلية أن تحقق غايتين‪ :‬الأولى‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26