Page 18 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 18

‫العـدد ‪29‬‬  ‫‪16‬‬

                                                   ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

  ‫يبدو أن لها دلالات تقصدينها! تنفست ريم بقوة‪:‬‬           ‫هذه القاهرة الزنيمة اللقيطة الملقاة على قارعة‬
                         ‫فك الله أسر من أسماها‪.‬‬      ‫الطريق لا يلتفت إليها أحد هي الواقع الفعلي الذي‬
                                                   ‫يئن أنينًا داميًا مجهو ًل بينما الجميع منشغلون عنه‬
‫ولعل هذا المقطع السردي البديع يبين لنا من وجوه‬      ‫بعد أن صموا آذانهم واستغشوا ثياب الطمع حتى‬
   ‫جمالية ومعرفية عدة أن هذه الطفلة اللقيطة التي‬     ‫انحجبوا عن الرؤية الحقيقية لواقعهم والدليل على‬
     ‫تبحث عن نسب طبيعي يدمجها داخل التاريخ‬         ‫هذا أن ريم الغزال واجهت أقسي الظروف من أجل‬
                                                    ‫كفالة الطفلة وإيوائها واحتضانها ولكنها فشلت في‬
 ‫واللغة للاعتراف بها ليست مل ًكا لأحد دون أحد بل‬
 ‫هي أحضان للجميع‪ ،‬إنها لقيطة حتى الآن‪ .‬وأي ًضا‬         ‫ذلك بل حاولت أن ته ِّرب القاهرة خارج القاهرة‬
‫هي قاهرة لكل من جعلها لقيطة‪ ،‬وهي قادرة على أن‬      ‫حتى ترعاها فلم تفلح أي ًضا‪ ،‬وقد تكون رمزية هذه‬
 ‫تستعيد وجودها الشرعي ممن استباحوا جريمتها‬          ‫الولادة اللقيطة موحية بولادة سردية بديلة للواقع‬

      ‫على قارعة الطريق لذا تنفست الساردة بعمق‬          ‫والحياة والتاريخ صاحبت الساردة ريم الغزال‬
    ‫وقالت‪ :‬فك الله أسر من أسماها!! فعلى مستوى‬       ‫على طوال البناء السردي حتى تتمكن من الاندماج‬
 ‫المتن الحكائي فإن الذي أسماها هو الشيخ عاطف‪،‬‬      ‫التاريخي الشرعي في جسد واقعها الطبيعي بعد أن‬
 ‫وقد قتل على يد الشاب الداعشي المجهول‪ ،‬لكن على‬      ‫ولدت ولادة لا شرعية في المجهول بجوار صندوق‬
  ‫مستوى المبنى الحكائي فإن التخييل السردي هو‬       ‫القمامة تتلوى وحيدة تنتظر من ينتشلها من مهاوي‬
    ‫الذي خلق هذا الرمز الطفولي الولود الذي تكرر‬      ‫العدم إلى رحاب اللغة والحياة والواقع‪ ،‬وقد تكون‬
  ‫عبر مشاهد سردية متعددة داخل البناء السردي‪،‬‬       ‫رمزية الطفلة اللقيطة غير هذا كله لكنها تظل الخيط‬
‫ولعله يتكرر أي ًضا في هذا المشهد السردي المؤثر في‬  ‫السردي التخييلي البديع الذي صاحب الحركة الكلية‬
‫الفصل الأخير من الرواية عندما تحاور ريم الغزال‬      ‫للسرد من مبتداه وحتي منتهاه‪ ،‬ولعل ذلك يجسده‬
  ‫حبيبها حسن والذي صار زو ًجا حقيقيًّا لها وبعد‬
 ‫أن اندمج جسد الحبيب بجسد الحبيبة ريم الغزال‬          ‫سؤال الصحفي الوطني عن الطفلة قاهرة عندما‬
   ‫سألها عن اسم ابنتها الجديدة فقالت (قاهرة) ثم‬      ‫رآها أول مرة على كتف ريم الغزال فقال لها (من‬
   ‫احتضنتها بقوة إلى صدرها ثم قالت (بعمري لن‬        ‫هذه الرائعة) وكأنها الحلم الروائي البديل من أجل‬
  ‫أتركها تضيع مرتين) رأى حسن دموعها وكادت‬           ‫إرجاع الواقع لواقعيته والتاريخ لشرعيته‪ ،‬فأجابته‬
‫أن تنفلت أعصابه وتملك نفسه وسألها ما بك الآن؟‬         ‫صديقته الصحفية مديحة هذه المرة لا ريم (هذه‬
  ‫تظاهرت بالتماسك ومسحت دموعها ونظرت إليه‬
‫ترجوه أن يفعل أقصى ما في وسعه من أجل قاهرة‪،‬‬            ‫ريم وهذه طفلتها الرائعة قاهرة) فابتسم وراح‬
                                                   ‫يداعبها بقوله (ابنتك رائعة)‪ .‬فاستوقفته مديحة قبل‬
                ‫من أجل الحفاظ عليها من الضياع‬       ‫أن يكمل حديثه قائلة له بأن قاهرة ليست ابنة ريم‬

                                                     ‫الحقيقية‪ ،‬فنظر إلى ريم قائ ًل‪ :‬اسم رائع (قاهرة)‪،‬‬

                                                                          ‫هامش‪:‬‬

                                                      ‫* أستاذ النقد الأدبى الحديث بجامعة السويس‪.‬‬
  ‫‪ -1‬انظر بخصوص جماليات العنوان دراستين مهمتين وهما‪ :‬د‪.‬محمد فكري الجزار‪ ،‬العنوان وسميوطيقا‬
‫الاتصال الأدبي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪ ،30‬ود‪.‬عبد الرحمن إسماعيل السماعيل‪،‬‬
‫العنوان في القصيدة العربية‪ ،‬مجلة جامعة الملك سعود‪ ،‬م‪ ،8‬الآداب ج‪ ،1996 ،1‬ص‪ -.51 -48‬د‪.‬محمد أحمد‬

     ‫الخضراوي‪ ،‬سيميائية التسمية‪ ،‬قراءة في الأبعاد الاجتماعية والرمزية للأسماء والأشياء‪ ،‬الفكر العربي‬
     ‫المعاصر‪ ،‬ع‪ ،1998 ،105 -104‬ص‪ 75‬وانظر أي ًضا‪ :‬محمد العافية‪ ،‬سيميائية أسماء الأعلام في الوقائع‬

                                   ‫الغريبة‪ ،‬مجلة الأقلام العراقية‪ ،‬بغداد‪ ،‬ع‪ ،6‬حزيران‪ ،1990 ،‬ص ‪.118‬‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23