Page 15 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 15
13 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
عن الوطن ،إن السلطة تتوغل في كل شيء ومن ثم فضاءات غامضة محيرة مقلقة ومرعبة ،نجد ذلك
سيطر اللامعقول واللامعنى على طبائع الشخصيات في تحركات الشيخ مرعي مع البطلة ريم الغزال
وطبيعة الزمان التي أصيبت بالسيولة والمكان الذي
وتحركات ريم مع العسكري ماهر الذي تنقل معها
أصيب بالدوامية اللامستقرة ،فجميع الشخصيات من مستشفى إلى مستشفى لإنهاء إجراءات التبني
تعاني الحيرة والذهول مما يحدث ،مديحة التي
تخلت عنها صديقتها سها في مساعدة صديقتها مقابل رشاوى ،ثم حادثة سرقة الطفلة اللقيطة
من امرأة مجهولة لولا صراخ ريم الغزال لفلتت
مادلين فجأة وكأنها تراها على حقيقتها لأول مرة، منها المرأة بالطفلة ،وما إن تسترد الطفلة المسروقة
والشيخ حسن الذي يتفق مع أسرته على الهروب حتى يفاجئها وكيل النيابة بعدم صلاحية كفالتها
بصورة رسمية إلا بعد فوات ثلاثة أشهر ،حيث
من بورسعيد للذوبان في الساحات المجهولة في
القاهرة ،والشيخ مرعي الذي يكتشف الشاب تعاني جميع الشخصيات من عدم القدرة على
التجذر في واقعهم بل يعيشون عابرين في ضباب
علاء الذي لا ينقطع عن صلاة الفجر بأنه مجرم
قاتل ،وابن البواب الذي يخون صديقه نبيل ابن عابر سواء في تنقلات الشيخ مرعي المرعوبة
الساردة ريم الغزال فيوقعه في هلوسات التخدير، واختفاء الشيخ حسن في زحام القاهرة هار ًبا من
وأبناء الحي الذين يتنكرون للشيخ عاطف والشيخ
مرعي والشيخ حسن فيرونهم إرهابيين مجرمين بورسعيد والاختفاء القسري غير الواضح ولا
بعد أن كانوا بالأمس يرونهم قادة أعمال الخير المسبب لولدي مادلين ومساومة شخصية سياسية
كبيرة على عرض مادلين نظير الحصول على ولديها
في الحي ،كل شيء قد تفجر في المجتمع وبدت
صورة الأمس أبعد ما تكون وصورة اليوم أقسي المختفيين في عتمة الظلام .ولعل تقنية الانتهاك
الجنسي اللاشرعي الذي يمارسه السياسي مع
وأعنف ما يكون ،مجتمع ظلي مقتلع عن جذوره مادلين يوازيه الانتهاك الجنسي اللاشرعي بين
وكأن ثمة لون من ألوان التواطؤ القهري الضمني شخصيتين ظلاميتين مما ترتب عليه ولادة (قاهرة
اللقيطة) ،مجتمع يعج بولادات زنيمة على مستوى
الذي يمارسه الجميع ضد الجميع ،مما نتج عنه الجسد والأفكار والعلاقات حتى ليتجلى ذلك في
على مستوى الواقع اليومي سيولة في العلاقات جميع أنسجة المجتمع حتى النسيج المقدس يعج
وهامشيتها وكابوسيتها ،فجميع الشخصيات في بالمدنس ،نجد هذا في شخصية الشاب علاء الذي
الرواية تعاني هامشية الحركة وهشاشة الوعي كان يمارس طقوس العبادة والضغينة في وقت
وفقدان الاتجاه ،تترنح الشخصيات على الدوام بين واحد ،فظل يراقب ويتتبع الشيخ المسن في المسجد
واقع ظلي هامشي وواقع افتراضي وهمي يحاول حتى يتمكن من سرقته بعد أن علم بأن ابنه الهارب
دائ ًما أن يحل نفسه محل الواقع الفعلي فتسير إلى أمريكا يمده بالمال الأجنبي الوفير ،فتسول له
الشخصيات مهزوزة مشروخة نصفها في النور نفسه أمر اغتياله ،الجريمة تتحرك في كل مكان في
ونصفها الآخر يسبح في الظلام ،الشيخ حسن الذي المجتمع في الشارع والمستشفيات والمساومات على
أحس بخطر داهم يلاحقه اتفق مع زوجته وأولاده العرض وفي المساجد .كل شىء يتحرك في ضباب.
على الاختفاء في الزحام ،فهو يحيا ولا يحيا في نفس
الوقت ،وريم الغزال عندما ترجع إلى بورسعيد هامشية الوجود وظلية الحضور
يفاجئها السائق الذي يقلها إلى مسكنها بأن ثمة
حادث قتل يطوق المكان الذي تعيش فيه بسبب يهيمن على طوال البناء السردي للرواية هامشية
الشيخ الإرهابي عاطف الذي تم قتله من الشاب الوجود وظلية الحضور ،فلا تستطيع الشخصيات
علاء الداعشي ،فيترنح وعي الساردة ريم الغزال
بين الهواجس الافتراضية التي أفضى لها بها أن تحقق وجودها لتحيا حياة طبيعية بل تراها
حبيبها حسن في القاهرة عندما قرأها على الواقع تحيا حياة ظلية هامشية تحت وطأة القوانين
الافتراضي ،وبين حقيقة قتل الشيخ عاطف المسن
المطاردة المجحفة بدعوى محاربة الفساد والدفاع