Page 11 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 11
إبداع ومبدعون 9 الحقيقي وخلق الواقع القهري الافتراضي ليكون
رؤى نقدية بدي ًل عن الواقع التاريخي الحقيقي ،وتجلى كل
الخفي يتلاعب بالجميع .وكأننا في سيرك موت ذلك في تدهور القيم وانحطاط السلوكيات ودوران
مدمر يتلاعب فيه الجميع ضد الجميع علامة انفجار
الجميع في سديم معتم مؤلم فاجع يجتاح الأرواح
الواقع فتتحرك معظم شخصيات الرواية وأزمنتها
وحواراتها وصورها وكأنها ظلال وأشباح تشربت والأجساد والقيم ،لذلك كله تصدرت الرواية
ضباب القهر الرمزي العام وباتت تتصرف وفق (جماليات الاستبداد الخفي والقبح المهيمن والعجز
علائقه المدمرة دون وعي منها.
عن الحركة وصعوبة بل استحالة فهم ما يحدث)
الأهم في الرواية أنها ترى إلى طبيعة السياسي
بوصفه نمط الحياة الطبيعي السائد بين الناس، نرى ذلك سار ًيا في جميع البني السردية في الرواية
حيث يتم تعبئة عقول البشر وأرواحهم وأجسادهم على مستوى المكان والزمان والحوار والشخصيات
بالحقائق والمعلومات والتصورات الوهمية المغلوطة
من منظور سياسي رمزي ،ليكون هو النمط الوحيد والدلالات .فليس المهم هنا دلالات الظاهر المرئي
الممكن للحياة ،فيتحرك الواقع والناس والقيم بل دلالات الارتباك الخلقي والفكري اللامرئي
والعادات والتقاليد واللغة بصورة فورية عفوية في
نفس المجال الرمزي النمطي الذي حدده السياسي السحيق العميق الذي يجتاح طوايا الناس في
للواقع ،فالسياسي وفق هذا المنظور السردي جميع سلوكياتهم ،دائ ًما هناك هذا الإكراه الخفي
الثقافي لا يتجلى بوصفه شخ ًصا أو جهة أو حزب الروحي والجسدي والقيمي الجمعي ،هناك هذا
أو طبقة من الممكن تحديدها بصورة واضحة أو
حتى ضدية كأن يكون اليميني ضد اليساري أو الإقصاء الطبقي العشائري ،هذا الكابوس الخفي
الليبرالي الدنيوي ضد الديني الأخروي أو الحاكم
الذي يتلاعب بالجميع ويتشرب ضحاياه خفية
ضد المحكوم ،بل يتجلى السياسي بوصفه بنية
رمزية إدراكية نسقية ناعمة في لحظة تاريخية دون وعي منهم بحقيقة ما يحدث .لذلك تكشف
ما يندغم فيها جسد المجتمع كله ،فجميع أحداث
وحوارات وشخصيات الرواية مندغمون في نسق الرواية عما هو معتم مسكوت عنه لا بد كالسرطان
رمزي ثقافي ديكتاتوري عام لا يفرق بين أبيض
وأسود ومسيحي ومسلم وحاكم ومحكوم .وبالتالي خلف الجدران من قهر وظلم وخوف ورعب وفقر،
فالرواية تعالج جماليًّا ومعرفيًّا
النسقية الرمزية الأيديولوجية آفاق مكبوتة ،وأحلام مجهضة ،وأشواق مستحيلة،
الإدراكية العامة للمجتمع حتي لنحس بهذا الشعور العميق بالهشاشة في
المصري المعاصر إبان ثورة
الخامس والعشرين من يناير. كل مكونات السرد ،وعدم القدرة على الالتصاق
لكن الرواية إذ تنطلق من جسد بجسد الوطن بعد أن تفجر وصار شوا ًّظا تتلظي
الواقع الفعلي الفوري لا ترينا
الواقع في واقعيته المباشرة بالغموض المرعب والتحول السريع غير المفهوم.
الخام بل تستوغر في المألوف
للغاية فتراه غير مألوف على ولعل كل هذا الجو الكابوسي الغامض الخانق
الإطلاق ،فالروائي العظيم هو
الذي يرى في الواقع ما لا يراه يؤكده هذا العنف الرمزي
الآخرون حتى ليرى المتناهي في
الألفة متناهيًا في الغربة والغرابة الأيديولوجي الخفي الذي يتجلي
بصورة واضحة وغامضة م ًعا
في حركة الشخصيات المراوغة
وطبيعة وعيها الضبابي الخادع
وطبيعة تصرفاتها المزدوجة
وفي حركات الزمان المتناقضة
المتلاشية التي لا تسمح بنماء
ولا انتماء ،ويتجلى ذلك أي ًضا
في طبيعة العلاقات الإنسانية
العابرة التي لا تستقر على حال
ولا تصل أب ًدا إلى هدف واضح
محدد تتحق فيه الذات ،فالواقع
سمية الألفي الرمزي القهري الكابوسي