Page 14 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 14

‫العـدد ‪29‬‬  ‫‪12‬‬

                                                     ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

   ‫من لحظات قصيرة من الصفاء الذهني يستطيع‬              ‫تشتعل في أعماقها أحقادها الطبقية فترى مادلين‬
  ‫من خلالها عمل أي شيء علاوة على تهرب مرعي‬             ‫العائدة إلى وطنها لتشارك في الثورة أنها مخربة‬
                                                       ‫هي وأولادها‪ .‬ومجرد أن تعاطفت مديحة المذيعة‬
     ‫المستمر من غيرة زوجته بسبب مساعدته ريم‬          ‫الطموحة مع مادلين تصدر أوامر من جهة مجهولة‬
  ‫الغزال‪ ،‬فهي تشك فيه كل لحظة كأنه يقوم بعمل‬          ‫بإيقاف برنامجها عن العمل‪ ،‬بلا نذر ولا مقدمات‪،‬‬
   ‫مجرم‪ ،‬دائ ًما تتراءى الحياة عبر ضباب معتم من‬      ‫والشيح حسن يترك بيته في بورسعيد ويولي هار ًبا‬
   ‫الشكوك والريبات‪ ،‬نرى ذلك أي ًضا على المستوى‬       ‫في زحام القاهرة لا يثبت في مكان محدد بل يعيش‬
‫الديني البحت‪ ،‬فالشاب علاء الذي يصلي مع الشيخ‬         ‫حياته متنق ًل بين فراغات الساحات والمقاهي معب ًرا‬
  ‫مرعي ولا ينقطع عن أي صلاة في المسجد تتراءى‬         ‫عن سيولة الأزمنة ودوامية الأمكنة واقتلاع الروح‬
 ‫لنا حياته عبر خطين متناقضين متداخلين في نفس‬         ‫الإنساني من الوطن في الوطن‪ ،‬واقع يفور بالأحقاد‬

     ‫الوقت‪ ،‬خط في العلن حيث العبادة والاستقامة‪،‬‬           ‫والضغائن والغموض والضباب‪ ،‬وكلما توالى‬
 ‫وخط في الباطن حيث تدبير الشر ومحاولة الإيقاع‬           ‫السرد عبر فصول الرواية يتكشف روي ًدا روي ًدا‬
‫بالشيخ مرعي‪ ،‬خطان يتداخلان كنور براق مخادع‬             ‫لنا وللبطلة ريم الغزال هذا الشىء الغامض الملغز‬
  ‫يغشاه ظلام فينطلي الخط الأسود بالخط الأبيض‪،‬‬        ‫الذي كان يسلبها حياتها‪ ،‬يتكشف في أحداث الثورة‬
                                                        ‫وسلوكيات طبقات المجتمع وشخصياته بعضها‬
     ‫ثم يتفجر الواقع فجأة بالصدمات اللامعقولة‪،‬‬       ‫ضد بعض‪ ،‬مجتمع متفجر بالتمزق والعدوان يفور‬
 ‫فيقرأ الشيح حسن على الفيس بوك عن حادثة قتل‬          ‫بالفقد والغدر والغرابة والقسوة والوحدة والخوف‬
  ‫في بورسعيد حيث يقتل شاب داعشي رج ًل مسنًّا‬
                                                                                          ‫والاهتزاز‪.‬‬
   ‫مسل ًما ويستولي على أمواله فيقرر الرجوع فو ًرا‬
 ‫إلى بورسعيد حيث تحاصره الريبة في الشاب علاء‬               ‫عالم معلق على جرف هار‬

        ‫المصلي‪ ،‬يتجلى ذلك في ص‪ 126‬من الرواية‪.‬‬        ‫تموج شخصيات الرواية بإحساس عميق بالخوف‬
      ‫في نفس اللحظة التي يوقن فيها الشيح حسن‬           ‫والرعب وعدم القدرة على فعل اي شيء‪ ،‬فالشيخ‬
  ‫باستحالة أن يفعل هذا الشاب علاء المصلي تتفجر‬
    ‫الشكوك والريب في نفسه هل ما يراه حقيقة أم‬            ‫حسن الذي أراد أن يساعد ريم الغزال في تبني‬
  ‫وه ًما؟ حتى ليختلط الواقع الافتراضي على الفيس‬          ‫الطفلة اللقيطة (قاهرة) بمساعدة الشيخ مرعي‬
 ‫بوك بالواقع الفعلي التاريخي‪ ،‬فلا تدري من يحرك‬            ‫يعاني من الخوف المستمر‪ ،‬فقد ترك بيته منذ‬
 ‫من؟ هل الوهم الذي يحرك الواقع‪ ،‬أم الواقع نفسه‬        ‫شهور متخفيًا في زحام القاهرة حتى لا تبطش به‬
‫صار وه ًما؟ لا ندري على طوال السرد من أين تنبع‬       ‫السلطة بسبب اتهامه‬
‫الحقيقة‪ ،‬بل نعيش واق ًعا متفج ًرا منخل ًعا عن جذوره‬       ‫الظالم بأن عمله‬
     ‫وأسسه يسبح في الضباب والشكوك والريب‪،‬‬              ‫للخيرات ممول من‬
  ‫يختلط الأسود بالأبيض‪ ،‬والحابل بالنابل‪ ،‬والحق‬       ‫جهة إرهابية‪ ،‬يحاول‬
    ‫بالباطل‪ ،‬والحياة بالموت‪ ،‬حتي لنحس أن مجرد‬            ‫حسن الهارب أن‬
 ‫الاقتراب من لحظة واقعية شيء متعذر بعد أن طفا‬        ‫يتصل بالشيخ مرعي‬
                                                      ‫لإتمام عملية التبني‪،‬‬
                          ‫الواقع في لجج الأوهام‪.‬‬     ‫لكن الأحداث القاسية‬
                                                     ‫تحيط به في كل لحظة‬
‫واقع ظلي عابر يموج بشبحية الأزمنة‬                       ‫تصدمه بالمفاجآت‬
           ‫ودوامية الأمكنة‬                              ‫التي تحاصره ليل‬
                                                         ‫نهار حتى لتمنعه‬
        ‫تعج أحداث الرواية وشخصياتها ومواقفها‬
    ‫وحواراتها وأزمنتها وأمكنتها بالعتمة في الرؤية‬

      ‫حيث كل شيء يتحرك في ضباب جاثم‪ ،‬وعبر‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19