Page 17 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 17
سوف يخايلنا هذا الغموض على الواضح ،قد جعل حركة الشخصيات
في الرواية تدور في عوالم ظلية شبحية
الضبابي على طوال البناء الروائي،
خفية مراوغة وعابرة كأنها شخصيات من
فهي رواية الضباب الرمزي الناعم وهم وأجساد من ضباب وسط عالم يفتقر
لأبسط أسباب الوضوح والصلابة ،بل عالم
المهيمن على العقول والأرواح غائم عائم على الدوام تعاني شخصياته من
الفوضي والحيرة والعجز عن الرؤية حتى
والأجساد بامتياز ،ومن ثمة ستكون لنحس بأن سطوة الواقع أقوى من حدود
وعي الشخصيات ،حتى لترى ما كان يبدو
العلاقة الموحية بين نص العتبة لها طبيعيًّا ج ًّدا موغ ًل في الغرابة إلى أبعد
الحدود ،ولعل ذلك يتضح في لغة السرد عندما
الأولى متمثلة في هذا العنوان تقول الساردة على لسان مادلين وهي تسأل
صديقتها مديحة عن سر الطفلة (قاهرة)
المكون من مبتدأ نكرة وخبر أكثر
اللقيطة (ص.)127
نكًرا سيكون البناء السردي كله نفس اهتزازات الصور وارتباكات الوعي
نجدها في لغة الساردة على لسان ريم الغزال
عبارة عن خبره المضبب المعتم وهي تحاور حبيبها حسن مترنحة بين عتمة
اللقيطة ولا شرعية الواقع الأوهام وبريق الزيف( .ص)136
ولعلنا لو تأملنا في هذا الحوار سنجد أنفسنا أمام
لعل في تقنية الطفلة اللقيطة اللاشرعية وإصرار تخثرات ضبابية للذاكرة المحيرة وهي تحاول أن
الساردة أن تسميها على لسان بطلتها ريم الغزال
تقبض على شيء واحد واضح فلا تستطيع ،كل
بـ(قاهرة) ما يوحي لنا من وجوه عدة بهذه المعاني والأفكار والصور تفر من فروج الذاكرة
العلاقة اللاشرعية بين اللقيطة الزنيمة والواقع إلى ردهات عتمات الواقع ولعل هذا السرد يجسد
اللقيط اللاشرعي الذي تجسده أجواء الرواية كلها،
إن إصرار ريم الغزال على تسميتها (بقاهرة)، لنا شبحية الحياة وضلال الصور حتى ليقود
واعتراض كثير من الناس حولها على التسمية الافتراضي الوهمي التاريخي الفعلي فتبدو الأرض
الغريبة يخلق لنا هذا الخيط الرهيف البديع الذي
رسمته الساردة بإحكام تشكيلي على طوال البناء غير الأرض والسماء غير السماء عبر ترنحات
السردي وحافظت عليه من البداية وحتى النهاية الذاكرة ويحل الواقع الوهمي الافتراضي محل
وهو يجسد لنا وجو ًها رمزية كثيفة ودالة على الواقع التاريخي الفعلي ،إن تقنية تعويم الواقع
وتسييله أدى إلى أن تعيش الشخصيات الروائية
طوال الرواية فقد تكون هذه القاهرة المولودة وهمية الوجود وشبحية الرؤي ولعل هذه التقنية
اللقيطة اللاشرعية هي الوجه الآخر للواقع الروائية التي صنعتها الروائية بمهارة جمالية
اللاشرعي المزور الذي تحيا فيه الشخصيات، ومعرفية واضحة كانت هي الموازي الجمالي
لقد تبنت الساردة الطفلة وكفلتها وآوتها حتى السردي لواقع فقد جذوره وانهدمت أسسه وانخلع
تنبتها نبا ًتا حسنًا وتخرجها من حدود عالم غير
شرعي إلى حدود عالم شرعي ،ولكن البطلة ذاقت بعي ًدا عن هويته وحدوده ،واقع انقلب رأ ًسا على
(الأمرين) من أجل الحصول على إجراءات رسمية عقب حتى انمحى فيه الخط الفاصل بين الأبيض
موثقة في حق كفالتها للطفلة اللقيطة ،وقد تكون والأسود ،ولعل ذلك ما نراه واض ًحا جليًّا في حوار
يوسف الصحفي صديق مديحة أثناء توسطه إلى
صديقه الصحفي بشأن إرجاع مديحة لعملها «ما
يؤلمنى» (ص)167