Page 28 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 28
العـدد 29 26
مايو ٢٠٢1
عام ،2009وقامت بأكثر من زيارة لأسرة (جابر وثائر سبق عصره ،لأنه كان يمتلك لغة لا يمكن
الكتبخاني) والتقت فيها بشخصية (نهى) .ويمكن لعصره ،وقوالبه الجامدة وتابواته المحنطة أن
يفهمها ويقدرها.
القول إن عالم الديستوبيا الذي عاصرته (حياة
البابلي) في «سيدات زحل» بعد الاحتلال الأمريكي كما مثلت (نهى جابر الكتبخاني) أنموذ ًجا معاص ًرا
متنو ًرا ،يمتلك منظو ًرا حياتيًّا وفكر ًّيا ينتمي إلى
هو شبيه إلى حد كبير بأجواء عالم الديستوبيا الحب والحرية والإنسان ،وقدمت شهادتها عن
الذي عاشته (نهى جابر الكتبخاني) بعد الاحتلال
عصرها بشجاعة ،ودونما نفاق ،أو محاباة .فهي لم
الأمريكي ،كما أن شخصية الأب (جابر فؤاد تقتصر على إدانة مظاهر العالم الديستوبي العراقي
الكتبخاني) قريبة ج ًّدا من شخصية العم قيدار في سنوات الصراع الطائفي بعد الاحتلال الأمريكي،
بل أدانت مظاهر التمييز والاستغلال التي يتعرض
الذي وهب حياته لجمع المخطوطات العراقية لها الإنسان في المنفى اليوتوبي المفترض ،من خلال
والحفاظ عليها من السرقة أو الحرق والتدمير .وما
تجربتها في باريس ،واكتشافها للكثير من مظاهر
قام به الأب (جابر) من جمع وصيانة مخططات العنف ضد المهاجرين ،كالتمييز العرقي على أساس
ومذكرات أسرته ،وبشكل خاص مذكرات جده اللون والهوية ،وهي ممارسات دفعتها لأن تعيش
(صبحي الكتبخاني) شبيه بالعمل الذي حققه العم داخل باريس حالة معقدة من الاختناق والإحساس
قيدار ساب ًقا .ومن هنا نجد أن هذا التناص مع
رواية «سيدات زحل» للروائية ذاتها ،خلق فضا ًء بالاغتراب والغربة والتمزق ،وكأنها تعيش داخل
تاريخيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا مشتر ًكا يعبر ،في النهاية، أجواء كابوسية تختلف كثي ًرا عن عالم الديستوبيا
عن الرؤيا الكلية التي تنطلق منها الروائية في فهمها
وتقييمها للمشهد السياسي العراقي بعد الاحتلال العراقي الذي هربت منه .ويمكن القول بتكامل
الأمريكي وسقوط النظام الدكتاتوري ،والذي اتسم منظوري الجد (صبحي الكتبخاني) من الجيل
بالانفلات الأمني وتصاعد أعمال العنف والصراع الأول ،و(نهى جابر الكتبخاني) من الجيل الأخير
والمعاصر ،في تقديم المنظور الحياتي والأيديولوجي
الطائفي. والسياسي للرواية ،وهو منظور ينتصر للإنسان
ومن المهم أن نؤشر هنا أن رواية لطفية الدليمي
هذه تحتشد بعشرات الحيوات والحبكات والثيمات والخير والجمال والحرية والحب.
ومن المهم أن يكتشف القارئ الكثير من مستويات
الثانوية ،التي تجعل منها متح ًفا حيًّا ،وذاكرة
متوهجة لأنماط الشخصيات الإنسانية ،خيّرها التناص في هذه الرواية ،وربما أبرزها التناص
وشريرها وخسيسها ،وهي في الغالب تترابط الواضح والمتكرر مع رواية لطفية الدليمي السابقة
عضو ًّيا أو لا تبدو زائدة أو مقحمة إلا فيما ندر.
ومن الحبكات المثيرة ،تلك المتعلقة بحياة (نبفشة) «سيدات زحل» ( ،)2009وهو تناص استدرج
زوجة الجد (صبحي الكتبخاني) التي اختطفت الروائية لاقتفاء أثر «سيدات زحل» أسلوبيًّا
وهي ما زالت صبية عندما كانت ترعى غنمها،
ورؤيو ًّيا في الكثير من المواقف والأجواء .كما أن هذا
وبيعت مرا ًرا في سوق النخاسة ،وتعرضت التناص يشير صراحة إلى التشابه بين شخصيتي
للاغتصاب والاستعباد عشرات المرات ،حتى (حياة البابلي) بطلة رواية (سيدات زحل) و(نهى
أهداها أحد تجار الرقيق الأبيض آنذاك إلى الوالي جابر الكتبخاني) .ففي حوار بين (نهى) وشقيقها
(نامق باشا) ،وسيكتشف القارئ أن ذلك التاجر وليد ،يعلن الأب (جابر) هذه الحقيقة المهمة:
هو (إسماعيل الكتبخاني) والد (صبحي) زوج « -أنت تذكرينني بحياة قريبة والدتك
(نبفشة) الأخير الذي تزوجها بعد عودته من -من؟
أنقرة ،متحد ًيا الأعراف والتابوات المتصلبة ،مما -حياة البابلي التي كانت تسجل مذكرات النساء
أدى إلى قطع علاقة أبيه (إسماعيل) به .وتتواصل وأحوالهن بعد عام 2003ابنة أخ الشيخ قيدار،
حياة (نبفشة) بعد أن أصبحت مغنية مشهورة الذي هداني إلى طريق المعرفة»( .ص)79
ونكتشف لاح ًقا أن حياة البابلي قد عادت إلى بغداد