Page 150 - m
P. 150

‫العـدد ‪57‬‬                          ‫‪148‬‬

                                      ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

   ‫أولى به‪ ،‬ويكون لزا ًما علينا أن‬       ‫منطوقه ولا مفهومه‪ ،‬فالحديث‬       ‫منهجية سردية في طرح مشكلات‬
  ‫نعترف لأهل الجبر من الجهمية‬         ‫يؤكد أن الناجين من الأمة هم من‬      ‫السلفية ومقارنتها بالسلفية الأولى‬
‫وغيرهم بهذه التسمية‪ ،‬لأنهم أهل‬        ‫تمسك بمنهجه ومنهج الأولين من‬
‫التقليد الخالص‪ ،‬وبهذا نخلص إلى‬         ‫صحابته‪ ،‬وهذا المنهج يتوزع على‬          ‫في العصر الأول من الإسلام‪،‬‬
‫أن هذا المصطلح ليس أولى به أحد‬         ‫كل الفرق الإسلامية‪ ،‬وهو يوجد‬       ‫وذلك ليقيم «حركة ثقافية تتخطى‬
   ‫دون أحد من الفرق المختلفة(‪.)3‬‬      ‫في أفراد كثيرين من هنا‪ ،‬وكثيرين‬
                                      ‫من هناك‪ ،‬ولم يقل أحد بأن هنالك‬           ‫المذهبيات المغلقة‪ ،‬وتنتهج في‬
     ‫ومما يدعونا للتفكر كثي ًرا في‬    ‫فرقة بعينها ناجية بالكلية‪ ،‬لأنه قد‬   ‫جدلياتها الكلامية الحرية‪ ،‬وتقيم‬
‫خطورة المواقف السلفية‪ ،‬وادعائها‬       ‫ثبت بالفعل أن كل فرقة قد أخذت‬       ‫الأدلة المنطقية على عقم الاتجاهات‬
 ‫امتلاك العلم والنجاة دون الناس‬        ‫ح ًّظا من الحق‪ ،‬وشابها كثير من‬        ‫السلفية ومواقفها الوثوقية»(‪.)2‬‬
                                                                            ‫وقلنا سردية لأن طريقة الكتاب‬
   ‫ذلك التغافل عن حقيقة مؤكدة‬              ‫الانحراف العقدي والفكري‪.‬‬
  ‫مفادها أن هؤلاء تدعمهم دوافع‬              ‫فإذا كان المراد بمفهوم هذا‬       ‫لم تلتزم بالمنهج العلمي المجرد‬
   ‫مادية ومعنوية لو توفرت لأي‬          ‫المصطلح (أهل السنة والجماعة)‬             ‫في الإثبات والنفي‪ ،‬والطرح‬
‫فصيل لكفته مؤنته‪ ،‬ولهذا ُوظفت‬          ‫سنة رسول الله من قول أو فعل‬
                                      ‫أو تقرير؛ فليس ذلك مقصو ًرا على‬         ‫والتشكيل؛ بل اعتمدت على ما‬
    ‫السلفية الحديثة توظي ًفا دقي ًقا‬    ‫السلفية‪ ،‬لأن الشيعة والخوارج‬          ‫تراءى له وللناس من مساوئ‬
     ‫لأداء أدوارها بدقة‪ ،‬فمنها ما‬         ‫والمعتزلة والزيدية والأشاعرة‬     ‫للوهابيين‪ ،‬وكم كنا نود أن يكون‬
    ‫يؤصل لفكرة التكفير كطريقة‬            ‫يلتمسون هذا الهدي من سنته‬           ‫الطرح أكثر أكاديمية ومنهجية‬
      ‫لجذب الناقمين من الشباب‬             ‫وأحاديثه الشريفة‪ ،‬وقد عرفنا‬       ‫خاصة وأن الدكتور محمد رجل‬
    ‫ال ُغفل‪ ،‬والمارقين من الجماعة‪،‬‬       ‫كيف يستدل المعتزلة بالحديث‬         ‫أكاديمي‪ ،‬وربما يكون سبب هذا‬
      ‫لتصنع منهم عقلية تكفيرية‬        ‫ويجلونه أيما إجلال‪ ،‬وكذلك سائر‬       ‫أن الموضوع نفسه لم يكن ضمن‬
  ‫جاهزة الإعداد مسب ًقا يواجهون‬          ‫الفرق‪ ،‬إذن فهذا المصطلح ليس‬
  ‫بها دعوات العقل والمنطق‪ ،‬يقول‬           ‫أولى به أحد دون أحد على هذا‬                          ‫تخصصه‪.‬‬
   ‫الشيخ محمد الغزالي في إحدى‬                                                ‫وفي تقسيم السلفية إلى مفاهيم‬
   ‫محاضراته‪« :‬إن زعيم السلفية‬                                  ‫المعنى‪.‬‬      ‫حركية عند أهلها يركز الدكتور‬
   ‫الأسبق في مصر‪ ،‬الشيخ حامد‬           ‫وأما إذا كان المقصود بالسنة هو‬         ‫محمد على تلك التسميات التي‬
   ‫الفقي‪ ،‬حلف بالله أن أبا حنيفة‬        ‫المحافظة والتقليد فأهل الحديث‬
‫كافر‪ ،‬ولا يزال رجال ممن سمعوا‬                                                    ‫يضعون حولها هالات من‬
 ‫اليمين الفاجرة أحياء‪ ،‬وقد نددت‬                                                  ‫القداسة والخداع السمعي‬
  ‫أنا في كتاب لي بمحاضرة ألقيت‬                                                  ‫للجماهير الإسلامية‪ ،‬فترى‬
   ‫في حي الزيتون بالقاهرة تحت‬                                             ‫مفاهيم مثل‪ :‬السلفية النصوصية‪،‬‬
  ‫عنوان‪ :‬أبو حامد الغزالي الكافر‪،‬‬                                           ‫والسلفية الحديثية‪ ،‬وأهل السنة‬
   ‫والمكان الذي قيلت فيه هو مقر‬                                              ‫والجماعة وهكذا‪ ،‬بينما نرى أن‬
                                                                             ‫تلك التسميات لم تكن واضحة‬
                    ‫السلفية»(‪.)4‬‬                                                ‫في زمن ما عند هؤلاء‪ ،‬حتى‬
  ‫والدكتور محمد السيد إسماعيل‬                                                ‫مفهوم أهل السنة والجماعة لم‬
                                                                             ‫يكن يو ًما يختص بجماعة دون‬
    ‫يوجه تلك الضربات القاصمة‬                                              ‫جماعة‪ ،‬وكل ما في الأمر أن النبي‬
  ‫إلى مدعي السلفية‪ ،‬الذين كفروا‬                                                ‫قد أعطانا وص ًفا لهم‪( :‬ما أنا‬
                                                                             ‫عليه وأصحابي) وهذا الوصف‬
    ‫بكل حضارة‪ ،‬وك َّفروا كل من‬                                                ‫قد استخدمته كثير من الفرق‬
  ‫تحت سمائها‪ ،‬ولكنهم رغم ذلك‬                                                  ‫الإسلامية وحاولوا أن يضفوا‬
   ‫يعيشون فيها وبها‪ ،‬ويوجهون‬                                                 ‫عليه وسم الفرقة‪ ،‬أو الجماعة‪،‬‬
                                                                            ‫وهذا ما لا يدل عليه الحديث في‬
      ‫دعوتهم من خلال منتجات‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155