Page 153 - m
P. 153

‫‪151‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

     ‫فيخرج من ذلك برؤية تجعل‬              ‫إلى الخروج عن حدود النص‪،‬‬              ‫وما أثير حول كلام الشيخ‬
     ‫التراث فاع ًل ومفعو ًل به لأن‬      ‫ولهذا لما غاب عنا فهم أيدلوجية‬       ‫على عبد الرازق قد أسيء فهمه‬
‫قيمة التراث تتولد من التفاعل بين‬        ‫النص الإلهي‪ ،‬وتحجرت نظرتنا‬            ‫واستخدامه؛ لأنه كان يرى أن‬
 ‫الذات المدركة والشيء المدرك»(‪.)9‬‬                                             ‫الخلافة ليست ركنًا من الدين‬
     ‫ويبقى للدكتور محمد السيد‬             ‫نحوه صرنا إلى هذه المقولات‬      ‫بمعنى أنها جزء منه يجب الإيمان‬
     ‫إسماعيل أنه الوحيد من بين‬         ‫التي تحاول هدم التراث‪ ،‬والتخلي‬     ‫به‪ ،‬ويكفر من يكفر به‪ ،‬ولكنه عنى‬
  ‫جيله من يحمل هم الفكر الديني‬                                              ‫أن الخلافة أمر دنيوي اجتماعي‬
    ‫كأساس في تكوين الشخصية‬               ‫عنه‪ ،‬بينما التراث هو الذي بنى‬     ‫(أنتم أدرى بأمور دنياكم) ولكن‬
 ‫الأدبية‪ ،‬ومن هنا اتجه إلى كشف‬        ‫أمة لا نزال نفخر بإنتاجها الثقافي‬
      ‫زيف السلفية المدعية‪ ،‬وذلك‬                                                ‫هذا لا يعنى فصل الدين عن‬
    ‫من خلال عرض ونقد امتزجا‬               ‫والعلمي‪ ،‬ونحن رغم علمانيتنا‬        ‫الدولة‪ ،‬لأن هذا محض وهم لا‬
    ‫بالأكاديمية والرؤية الإبداعية‪،‬‬    ‫واطلاعنا على العلوم لا نزال نجهل‬      ‫يمكن تحقيقه على أرض الواقع‪،‬‬
  ‫ونحن نشد على يديه كثي ًرا حيث‬                                           ‫فاليهود رغم علمانيتهم لا ينسون‬
                                            ‫كيف يعمل محرك السيارة‪.‬‬           ‫أب ًدا جذورهم الدينية وما تدعو‬
      ‫استباح ما يخشاه كثير من‬              ‫وأخي ًرا يكمن الداء في تحديد‬    ‫إليه التوراة‪ ،‬ولا يزالون إلى اليوم‬
 ‫الأدباء الذين يكتفون بالامتعاض‬            ‫الهوية‪ ،‬لأن الهوية إذا اهتزت‬     ‫يحققون بع ًضا مما يؤمنون به‪.‬‬
 ‫والانشغال عن مثل هذه القضايا‬          ‫كفر أصحابها بكل ما يدل عليها‪،‬‬          ‫وحينما يفصل الدكتور محمد‬
                                            ‫ونحن اليوم في أزمة هوية‪،‬‬        ‫السيد إسماعيل موضوع البيعة‪،‬‬
                          ‫المهمة‬        ‫والدكتور محمد السيد إسماعيل‬
                                            ‫مفكر وشاعر كبير‪ ،‬وله من‬              ‫فإنه من الجدير بالذكر أن‬
                 ‫مراجع‪:‬‬                  ‫الأعمال التي تضعه في مصاف‬           ‫الإسلام لم يجعل للبيعة وض ًعا‬
                                          ‫المفكرين أصحاب الهوية‪ ،‬وهو‬       ‫مخصو ًصا؛ بل ترك ذلك لاختيار‬
     ‫‪ -1‬الصواعق الإلهية في الرد على‬       ‫يدرك جي ًدا أن أزمتنا الحقيقية‬   ‫المسلمين في كل زمن وما يناسب‬
   ‫الوهابية‪ :‬سليمان بن عبد الوهاب‪:‬‬         ‫تكمن في كفرنا بالتراث الذي‬        ‫حالهم‪ ،‬والديمقراطية التي يفر‬
    ‫مكتبة إيشيق بشارع دار الشفقة‪،‬‬        ‫يحدد هويتنا‪ ،‬وواضح «أن هذا‬         ‫منها السلفيون ما هي إلا البيعة‬
  ‫إستانبول‪ ،‬تركيا‪1399 ،‬هـ‪1979 ،‬م‬      ‫التوجه للتراث بمرحلتيه‪« :‬التعبير‬
                                        ‫عن التراث» و»التعبير بالتراث»–‬        ‫التي أسسها السلف الصالح‪،‬‬
                      ‫ص‪.45 -32‬‬             ‫بتعبيرات على عشري زايد –‬         ‫وعملوا نظام حكمهم عليها‪ ،‬لهذا‬
‫‪ -2‬فلسفة العقل‪ :‬عبد الستار الراوي‪:‬‬    ‫يعكس الأهمية الكبيرة التي يحتلها‬    ‫فإن المشاحة في اللفظ هو ما صنع‬
                                            ‫التراث في وجدان الروائيين‬
  ‫دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪،‬‬  ‫والشعراء ومن ثم في حياة الجميع‬          ‫تلك الزوبعة الفارغة من قبيل‬
                     ‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.5‬‬       ‫دون أن يمنع ذلك فاعلية الإنسان‬                       ‫السلفية المدعية‪.‬‬
                                          ‫في تلقى هذا التراث وعصرنته‬
 ‫‪ -3‬تاريخ المذاهب الإسلامية‪ ،‬محمد‬       ‫كما يبدو في تعريف زكى نجيب‬             ‫والدعوة إلى التجديد الديني‪،‬‬
‫أبو زهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬    ‫محمود له بقوله «إن التراث هو‬            ‫لمواكبة العصر لا تعني هدم‬
                                        ‫كل ما يصنعه الإنسان‪ ،‬فالتراث‬         ‫الموجود‪ ،‬بل هي دعوات للتخلي‬
                    ‫‪1996‬م‪ ،‬ص‪.31‬‬          ‫كتب وفنون وغير ذلك‪ .‬من هذا‬         ‫عن نظرتنا نحن للدين‪ ،‬إذ الدين‬
     ‫‪ -4‬موسوعة مجدد العصر‪/1 :‬‬             ‫الجسم المكتوب الموروث الذى‬      ‫ليس مسئو ًل عن تفكيرنا القاصر‪،‬‬
                                      ‫نقرؤه ونستخرج منه ما نستطيع‬          ‫والشريعة لا تنسب إلى ما جعلته‬
                             ‫‪.246‬‬       ‫بوجهة النظر التي نريدها أي أن‬        ‫مساحة للاجتهاد الثبات وعدم‬
 ‫‪ -5‬ينظر‪ ،‬نقد الفكر السلفي للدكتور‬      ‫الإنسان يختار ما يستصفى من‬          ‫التحول‪ ،‬بل إن كثي ًرا من الفقهاء‬
                                       ‫التراث ثم يؤول ويفسر ويضيف‬               ‫يخالف بعضهم بع ًضا وهم‬
             ‫محمد السيد إسماعيل‪.‬‬          ‫فاعليته الذاتية إلى هذا التراث‬   ‫يعلمون أن هذا اختلاف رؤية في‬
   ‫‪ -6‬التمهيد‪ :‬لابن عبد البر‪ :‬تحقيق‬                                       ‫تفسير النص‪ ،‬وليس مخالفة تدعو‬
   ‫مصطفى بن احمد العلوي ومحمد‬
‫عبد الكبير البكري‪1387 ،‬هـ‪1967 ،‬م‪،‬‬

                         ‫‪.22 /17‬‬
         ‫‪ -7‬ينظر نقد الفكر السلفي‪.‬‬

                ‫‪ -8‬المرجع السابق‪.‬‬
                ‫‪ -9‬المرجع السابق‪.‬‬
   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158