Page 151 - m
P. 151

‫‪149‬‬            ‫تجديد الخطاب‬

‫ياسر البرهامى‬  ‫محمد بن عبد الوهاب‬   ‫محمد السيد إسماعيل‬                         ‫الحضارة الحديثة‪ ،‬ومن هنا‬
                                                                               ‫يدافع كاتبنا هنا عن مفاهيم‬
    ‫على الأرض يتيح هذه المساحة‬          ‫محمد السيد إسماعيل شديدو‬            ‫كثيرة تحدد هوية الفرد مسل ًما‬
   ‫من الاجتهاد العقلي فيما يتعلق‬      ‫الحساسية ضد كل ما من شأنه‬           ‫كان أو غير مسلم‪ ،‬وهو ما يطلق‬
   ‫بالعبادة والعادة‪ ،‬بعد أن كانت‬       ‫أن يكون تجدي ًدا‪ ،‬فهم يرون أن‬           ‫عليه (المواطنة)‪ ،‬والسلفيون‬
‫طقو ًسا خاصة بالكهنة‪ ،‬أو كهنو ًتا‬     ‫كل ما لم يفعله السلف‪ ،‬أو أذنوا‬          ‫اليوم يكفرون من يؤمن بهذا‬
  ‫لا يعلمه إلا كهنته‪ ،‬لذا لم يعرف‬                                           ‫المنطق‪ ،‬وساعدهم على «انتشار‬
‫الإسلام (رجل الدين) الذي يحتكر‬           ‫في فعله فهو بدعة‪ ،‬وتطورت‬          ‫هذا التوجه هجرة الكثيرين ‪-‬في‬
  ‫علومه‪ ،‬ويعطي صكوك الغفران‪،‬‬           ‫عندهم هذه الرؤية حتى حكموا‬         ‫حقبة السبعينيات‪ -‬إلى السعودية‬
  ‫ويملك التحليل والتحريم‪ ،‬ولكنه‬     ‫على كل ما هو جديد بالتبديع‪ ،‬رغم‬          ‫وتأثرهم بالفكر الوهابي الذى‬
   ‫يعرف فكرة (عالم الدين) الذي‬        ‫أن البدعة لا تدخل إلا العبادات‪،‬‬         ‫حاربوا في سبيل فرضه على‬
 ‫يرجع إليه الناس لمعرفة حكم الله‬    ‫أما أمور الدنيا فأنتم أدرى بأمور‬           ‫المجتمع كله وهو ما يجعلهم‬
‫فيما اشتبه عليهم من أمور دينهم‪،‬‬       ‫دنياكم كما في الحديث الشريف‪،‬‬            ‫في عداء دائم مع هذا المجتمع‬
 ‫مستن ًدا إلى دليل معتبر شر ًعا من‬   ‫لكنهم لا يقبلون بتقلبات الأزمنة‪،‬‬         ‫(الجاهلي الكافر)‪ ،‬وهنا تكمن‬
    ‫غير إلزام إلا بحجة قطعية من‬       ‫ويسخر كاتبنا من فكرة أن باب‬          ‫خطورتهم حين يحاولون فرض‬
  ‫كتاب أو سنة أو إجماع صحيح‪،‬‬                                                 ‫رؤيتهم ‪-‬بالقوة‪ -‬على المجتمع‬
  ‫أو باستنباط العقل السليم‪ ،‬وهو‬          ‫الاجتهاد قد أقفل‪ ،‬لأن مجرد‬           ‫ككل وأن يجعلوا من عاداتهم‬
  ‫ما يسمى بالقياس‪ ،‬يقول الكاتب‬      ‫القول بهذه الجملة هو جهل يطبق‬             ‫ومتطلباتهم الأخلاقية عادات‬
                                                                              ‫ومتطلبات عامة وشرعية ولا‬
       ‫محاو ًل أن يتفهم الناس أن‬         ‫يرين على القلب والعقل‪ ،‬فهل‬             ‫يتوقف الأمر ‪-‬بداهة‪ -‬عند‬
   ‫الشريعة ثابتة أحكامها‪ ،‬والذي‬         ‫أغلقت عقول الناس‪ ،‬أم توقف‬             ‫العادات والمتطلبات الأخلاقية‬
   ‫يتغير حسب الأحوال والنوازل‬                                               ‫بل يتعدى ذلك إلى نظام الحكم‬
                                                      ‫التفكير نهائيًّا؟‬  ‫ورؤيتهم للوطن»(‪ .)5‬ومبدأ التكفير‬
       ‫هو الاستنباط الذي يراعي‬      ‫إنها دعوات لطمس دعوة الإسلام‬               ‫نفسه لم يخطر على بال أحد‬
‫الضرورات وعادات الناس‪« :‬وبما‬                                               ‫من السلف‪ ،‬بل كانوا يتحرجون‬
                                            ‫التي أعلت من شأن العقل‬            ‫من نطق هذا اللفظ‪ ،‬يقول ابن‬
                                    ‫وجعلته مناط التكليف‪ ،‬كيف ُيغلق‬          ‫عبد البر‪« :‬وقد اتفق أهل السنة‬
                                                                          ‫والجماعة على أن أح ًدا لا يخرجه‬
                                      ‫الاجتهاد والإسلام هو أول دين‬          ‫ذنبه وإن عظم من الإسلام»(‪.)6‬‬
                                                                          ‫ومعنى كلام الإمام ابن عبد البر‪:‬‬
                                                                            ‫وإن عظم وبلغ الكبائر العظيمة‬
                                                                         ‫بشرط أن تكون دون الكفر‪ ،‬فأهل‬
                                                                         ‫السنة التزموا هذا المنهج‪ ،‬بتفويض‬
                                                                          ‫أصحاب الكبائر الذين ماتوا دون‬
                                                                             ‫توبة إلى الله عز وجل‪ ،‬وقالوا‬
                                                                           ‫إن مثل هذا يفوض أمره إلى الله‬
                                                                              ‫وليس لأحد من الناس الحكم‬

                                                                                                   ‫عليه‪.‬‬
                                                                                 ‫والسلفية في رأي الدكتور‬
   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156