Page 188 - m
P. 188

‫العـدد ‪57‬‬                             ‫‪186‬‬

                                ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬                          ‫ملك البولونيين» («أوبو‬
                                                                     ‫ملكا») لمؤلفها جاري في‬
 ‫(باروديا) بالضبط‪ ،‬كما أنها‬         ‫لم تكن تقاليد ذاك الوقت‬      ‫عرضين هامين على المسرح‬
    ‫لا تنتمي لأي شكل أدبي‬         ‫تسمح بتداولها علانية بين‬           ‫الجديد عام ‪ .1896‬وقد‬
                                ‫الناس‪ ،‬وإضفاء صفة إنسانية‬          ‫اعتبرت (المسرحية) شك ًل‬
‫آخر‪ ..‬ولو تحتم عليَّ تصنيف‬                                          ‫من مسرح العرائس لأنه‬
   ‫هذه الظاهرة لوضعتها في‬            ‫على شخصية الدكتاتور‬         ‫كان من الضروري أن يبدو‬
                                   ‫المأفون‪ ،‬إضافة إلى شعور‬        ‫العرض وكأنه عرض دمى‪.‬‬
 ‫طليعة الأعمال الكاريكاتيرية‬    ‫المشاهدين بعدوانية يمارسها‬      ‫فهي تصور مقتل ملك بولندا‬
     ‫الفاحشة لتحتل مكانتها‬         ‫المؤلف عليهم‪ .‬والواقع أن‬        ‫على أيدي وحشين قذرين‬
                                  ‫هذه العدوانية قد ميزت كل‬        ‫من الدمى يجسدان الجشع‬
   ‫بين أكثر أنواع البيرليسك‬     ‫أعمال جاري المسرحية سواء‬           ‫والحماقة‪ ،‬إنهما الأب أوبو‬
      ‫الأصلية المؤثرة في كل‬       ‫تلك المسرحيات التي أكملت‬        ‫وزوجته اللذان يذكران إلى‬
                   ‫زمان(‪.)5‬‬     ‫سلسلة أوبو‪« :‬أوبو مخدو ًعا»‬          ‫حد ما بماكبث وامرأته‪.‬‬
                                                                ‫كانت هذه المسرحية من حيث‬
  ‫هذا عن استقبال المسرحية‬             ‫(‪« ،)1897‬أوبو مقيَّ ًدا»‬     ‫الشكل والمضمون نموذ ًجا‬
 ‫في عرضها الأول في نهايات‬         ‫(‪« ،)1900‬أوبو فوق التل»‬         ‫لا سابق له في قلة الحشمة‬
                                                                  ‫في المسرح‪ ،‬فهي «بيرلسك»‬
    ‫القرن التاسع عشر‪ .‬غير‬           ‫(‪ )1906‬والتي يجد فيها‬        ‫غريب من الدراما التاريخية‬
  ‫أن الأمر استغرق ما يقارب‬      ‫بعض النقاد الإرهاص الأكثر‬            ‫الرومانسية‪ ،‬عل ًما بأنها‬
                                                                  ‫حافظت على جاذبيتها وقتًا‬
     ‫نصف القرن حتى يفيق‬               ‫وضو ًحا لمسرح العبث‪،‬‬         ‫أطول مما ُيتوقع لأي عمل‬
      ‫العالم من عبثية كونية‬        ‫أم في مسرحياته الأخرى‪:‬‬         ‫هزلي ساخر (بيرليسك)(‪.)3‬‬
     ‫تجسدت فيها شخصية‬           ‫«المحبوب» (‪L’Objet )1906‬‬        ‫ولم تكن بنية مسرحية «أوبو‬
   ‫«أوبو» الكاريكاتيرية‪ ،‬على‬                                        ‫مل ًكا» مختلفة عن المسرح‬
  ‫حد تعبير ساكا غيتري‪ ،‬في‬             ‫‪ ،aimé‬و»بانتاغرويل»‬             ‫السائد في ذاك العصر‪،‬‬
    ‫شخصيات من لحم ودم‪،‬‬              ‫(‪.)4(Pantagruel )1911‬‬          ‫فهي كالمسرح الكلاسيكي‬
    ‫قادت العالم إلى الوحشية‬     ‫وكان تلقي «أبو ملكا» مده ًشا‬    ‫تتضمن خمسة فصول‪ ،‬وهي‬
    ‫الأولى التي لم يتصورها‬         ‫في تباينه بين المعارض إلى‬     ‫هزلية كمسرحيات الفودفيل‬
   ‫أي منطق إنساني‪ ،‬فج َّسد‬            ‫نهاية الخط‪ ،‬والمؤيد إلى‬         ‫‪ Vaudeville‬الفرنسية‬
 ‫طغاة من أمثال إدولف هتلر‬        ‫أقصى حد‪ ،‬ولكنها كانت في‬             ‫الخفيفة‪ ،‬ومع ذلك لاقى‬
    ‫أو موسوليني أو فرانكو‬           ‫الحالين ملغزة لمن تلقاها‬        ‫العرض الأول للمسرحية‬
 ‫تحقق الخيال الصرف الذي‬          ‫في عرضها الأول‪ ،‬ومدهشة‬              ‫انتقادات لاذعة ج ًّدا من‬
  ‫انقلب به ألفريد جاري على‬        ‫إلى النهاية‪ ،‬حتى أن الكاتب‬     ‫الحضور ومن النقاد‪ .‬وكان‬
‫المنطق الصوري وعلى الوعي‬          ‫المسرحي الكوميدي والناقد‬      ‫مما يستدعي تلك الانتقادات‪:‬‬
 ‫الميتافيزيقي‪ ،‬وكان كل واحد‬        ‫الفرنسي ساكا غيتري لم‬             ‫الخروج على المألوف في‬
      ‫منهم أوبو على طريقته‬       ‫يستطع تحديد نوعها الأدبي‬            ‫استعمال أدوات العرض‬
                                      ‫إلا أنه وصفها كما يلي‪:‬‬      ‫وفي تصميم أزياء الممثلين‪،‬‬
                  ‫الخاصة‪.‬‬         ‫إن كون «أوبو مل ًكا» رائعة‬      ‫واستعمال كلمات وحركات‬
     ‫ومع جنون الواقع‪ ،‬بعد‬        ‫أدبية أم لا فهذه مسألة غير‬
 ‫حربين كونيتين أسفرتا عن‬          ‫ذات أهمية برأيي‪ .‬وقناعتي‬
    ‫ملايين لا يمكن حصرها‬        ‫هي أنها رائعة من روائع هذا‬
  ‫من الضحايا؛ قتلى وجرحى‬         ‫النوع‪ .‬وسوف تسأل ما هو‬
  ‫ومسممين بالإشعاع‪ ،‬وجد‬            ‫هذا النوع؟ هذا ما يصعب‬
 ‫الفن ذاته في أكثر مواجهاته‬          ‫تحديده فلا هي ساخرة‬
  ‫صراحة مع منطق السببية‬         ‫تما ًما ولا هي محاكاة تهكمية‬
       ‫الأرسطي‪ ،‬ومع البنية‬
‫الميتافيزيقية للثواب والعقوبة‪،‬‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193