Page 189 - m
P. 189

‫‪187‬‬         ‫الملف الثقـافي‬

‫ساكا غيتري‬  ‫ألفريد جاري‬         ‫روجر شاتوك‬                       ‫ولم يجد ب ًّدا من استعادة‬
                                                             ‫الباتافيزيقا الأوبوية‪ ،‬إن صح‬
   ‫لا تنتمي إلى القرن التاسع‬    ‫عن الحقيقة‪ ،‬وليس بدرجتين‬
   ‫عشر كنموذج للإنسان في‬        ‫بالقياس الأفلاطوني‪ ،‬بل يبعد‬     ‫التعبير‪ ،‬في انطلاق مسرح‬
    ‫أبديته‪ ،‬وإنما إلى الامتداد‬                                 ‫العبث في الخمسينيات‪ ،‬من‬
 ‫اللانهائي في تصور مستقبل‬         ‫عنها بدرجات لا حدود لها‪.‬‬     ‫باريس نفسها التي شهدت‬
‫الإنسان بكل حيوانيته وآليته‬
 ‫وغبائه ودمويته‪ ،‬جاءت هذه‬        ‫الإنسان في مواجهة‬                   ‫أول عروض «أوبو»‪.‬‬
‫الشخصية الخيالية لتقوم على‬           ‫أسوأ ما فيه‬               ‫وقبل أن ُين ِّظر مارتن إسلن‬
   ‫المسرح بالأفعال‪ ،‬ولم تكن‬                                    ‫لمسرح العبث في كتابه ‪The‬‬
 ‫تلك الأفعال خارقة فحسب‪،‬‬         ‫ولأن جاري لا يرى الحقيقة‬
                                     ‫في المثال رفض الرمزية‪،‬‬     ‫‪theatre of the absurd‬‬
       ‫بل تخطت التصورات‬                                        ‫كتب ليونارد كابل برونكو‬
      ‫الميتافيزيقية في حلولها‬     ‫ولأنه لا يرى الحقيقة فيما‬    ‫كتابه «مسرح الطليعة» كما‬
     ‫الخيالية لتصل إلى عالم‬            ‫تدركه الحواس رفض‬        ‫كتب سيروه كتابه «المسرح‬
    ‫الباتافيزيقا‪ ،‬عالم الحلول‬                                   ‫الجديد» وجميعهم حاولوا‬
    ‫الخيالية أو المتصورة‪ ،‬أو‬     ‫الطبيعية ومنطقها الصوري‪،‬‬    ‫أن ُينظروا للمسرح الفرنسي‬
‫عالم ما بعد ما وراء الطبيعة‪.‬‬          ‫وبدأ بحثه عن الحقيقة‬      ‫المعاصر‪ ،‬ووضعوا ألفريد‬
  ‫قامت الشخصية بأفعال ما‬                                     ‫جاري على قائمة هذا المسرح‬
‫بعد الخيال الأسطوري‪ ،‬وقام‬          ‫التي تظهر فيها النفس في‬     ‫الجديد‪ ،‬وعلى الرغم من أن‬
    ‫المؤلف بالانتقال الزماني‬    ‫صورتها الوحشية الحيوانية‪.‬‬       ‫المدة بين عرض مسرحية‬
‫المكاني الحر‪ ،‬وعاد إلى أشكال‬                                   ‫«أوبو ملكا» ومسرحية «في‬
    ‫الفن الخالص ليحقق هذا‬          ‫ونمت على المسرح في ذلك‬
    ‫العالم العجيب والمدهش‪،‬‬       ‫اليوم شخصية جديدة تبرز‬           ‫انتظار جودو» لصمويل‬
                                                                 ‫بيكت تجاوزت الخمسين‬
                                     ‫كنبات شيطاني وتغتال‬          ‫عا ًما‪ ،‬فإن الفريد جاري‬
                                   ‫الشخصيات الرومانتيكية‬        ‫ظل أول من يذكر إذا ذكر‬
                                    ‫الكلاسيكية في آن واحد‪،‬‬     ‫يونسكو وبيكت وأداموف‪،‬‬
                                   ‫إنها شخصية «أوبو» التي‬         ‫إلى أن جاء مارتن إسلن‬
                                                                  ‫ووضع جاري في مكانه‬
                                                               ‫من هؤلاء الكتاب‪ ،‬وأنه أحد‬
                                                                 ‫المصادر المباشرة لمسرح‬

                                                                                 ‫العبث‪.‬‬
                                                                ‫وعندما قدم ألفريد جاري‬
                                                                ‫مسرحيته أوبو مل ًكا سنة‬
                                                                 ‫‪ 1896‬اعتمد على التخطي‬
                                                                ‫العنيف للحواجز الطبيعية‬

                                                                    ‫وما وراء الطبيعية‪ ،‬إذ‬
                                                                 ‫إن جاري لا يقبل التحدد‬
                                                                  ‫والاتساق مع هارمونية‬
                                                             ‫العالم‪ .‬العالم إذن ليس وحدة‬
                                                                  ‫متناغمة‪ ،‬إنه نشاز قاس‬
                                                               ‫وهدم موتور‪ ،‬إنه ح ًّقا يبعد‬
   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194