Page 207 - m
P. 207

‫‪205‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

      ‫الميتة السابقة أو التالية‬     ‫التمثيلي‪ ،‬عن السينوغرافيا‬       ‫إخضاع هذا العمل إلى نوع‬
     ‫للحظة الذروة‪ ..‬هل كان‬         ‫في المثال المسرحي‪ ..‬فالبطل‬      ‫من "التمزيق" الكامل للعمل‬
   ‫التأثر ليكون في أوجه لولا‬
  ‫المساحات الميتة التي سبقت‬          ‫الحقيقي في هذا المثال هو‬         ‫بهدف تقسيمه إلى بنيات‬
  ‫وتلت لحظة الذروة هذه أو‬             ‫العرض ككل‪ ،‬والمشاهد‬            ‫جزئية‪ ،‬يمكنه تعريض كل‬
                                                                   ‫بنية منها إلى نوع من التأمل‬
                      ‫تلك؟‬          ‫المتموضع في قلب الصالة‬
    ‫في هذا الإطار جاءت هذه‬         ‫لا يشغل نفسه خلال تلقي‬              ‫"الميكروسكوبي" الذي‬
     ‫الدراسة‪ ،‬التي يصح أن‬          ‫العمل بكيفية الكتابة‪ ..‬وهل‬       ‫يظن الناقد‪ ،‬وهو محق‪ ،‬أنه‬
‫أتهمها بالقصور‪ ،‬في مسرحية‬
     ‫"أوبو ملكا" وفي فلسفة‬            ‫كانت ن ًّصا أدبيًّا أم نتاج‬      ‫سيمكنه من سبر أغوار‬
     ‫الباتافيزيقا‪ ،‬كما طرحها‬     ‫ورشة ارتجال مسرحية‪ ..‬ولا‬              ‫العمل‪ ..‬وتفكيك طبقاته‬
   ‫ألفريد جاري‪ ،‬والتي كانت‬                                         ‫وكشف بواطن الإبداع فيه‪..‬‬
   ‫في انطلاقتها الأولى صدمة‬        ‫بكون الإضاءة في لحظة ما‬            ‫وفك شفراته المرسلة من‬
    ‫لمتلقي المسرح في مواجهة‬      ‫استخدمت لو ًنا برتقاليًّا يغاير‬     ‫خلال العمل وآلية تفاعلها‬
 ‫عرض يتهكم من كافة تقاليد‬                                          ‫(كوحدات) في عملية التلقي‪.‬‬
  ‫الدراما بمنحاها الأرسطي‪،‬‬         ‫الأزرق الذي استخدمته في‬         ‫غير أن عملية التمزيق تلك‪..‬‬
‫وف ًقا لمنطق اللعب الطفولي‪ ،‬أو‬                 ‫لحظة أخرى‪.‬‬             ‫على ضرورتها الإجرائية‬
  ‫هو بالأحرى منطق الحلول‬                                            ‫بالمعنى العلمي لا يصح أن‬
   ‫الخيالية‪ ،‬التي تعتمد اللعب‬         ‫فهو‪ ..‬المشاهد الفاعل في‬        ‫تغفل بالضرورة أن العمل‬
    ‫الإيهامي لدى الأطفال في‬         ‫عملية التلقي للعمل يتلقاه‬          ‫الفني كل مكتمل‪ ،‬يشبه‬
 ‫مواجهة جمهور ينتظر عم ًل‬          ‫كام ًل ككل إبداعي‪ ..‬يحدث‬          ‫"وحش أوريللو" الذي لو‬
     ‫مسرحيًّا وفق تصورات‬         ‫لديه "حالة" حسية وروحية‬             ‫اقتطعت منه أجزاء طرفية‬
  ‫مسبقة فتصدمه الشخصية‬              ‫كاملة‪ ،‬حالة يتشارك فيها‬            ‫فإنه قادر على استنبات‬
   ‫الرئيسة في العمل منذ أول‬                                         ‫أطراف أخرى تجعل العمل‬
  ‫كلمة في العرض بلفظ بذيء‬              ‫النص والأداء وتوقيت‬         ‫ك ًّل جدي ًدا يختلف عنه‪ ،‬قبل‬
‫وصادم ومحرف عن صياغته‬                ‫العرض وموضع المشاهد‬             ‫الاجتزاء‪ ..‬من جهة‪ ..‬وهو‬
   ‫اللغوية منذ أول لحظة‪ ،‬في‬        ‫في الصالة وتغير الإضاءات‬          ‫(الوحش) قادر على التهام‬
  ‫تأكيد منذ البداية على منطق‬                                           ‫الناقد ذاته‪ ..‬وإدخاله في‬
                                       ‫والألوان والحركة على‬         ‫دوائر لا تنتهي من التأويل‬
      ‫العبث أو اللهو الطفولي‬     ‫الخشبة‪ ..‬كما يؤثر فيها حالة‬           ‫والتلقي‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬
  ‫المحمل بكل بدائية الإنسان‪.‬‬
                                    ‫المشاهد نفسه في اللحظة‪..‬‬              ‫إن هذه العملية‪ ،‬على‬
       ‫ولأنه عرض ينزع عن‬              ‫الفسيولوجية والنفسية‪.‬‬         ‫ضرورتها‪ ،‬ينبغي ألا تغفل‬
       ‫الإنسان البورجوازي‬              ‫غير أن هذا المشاهد في‬
     ‫المعاصر وقتها كل أقنعة‬           ‫لحظة استعادته للعرض‬             ‫أن العمل الفني (ن ًّصا أو‬
    ‫الحضارة‪ ،‬صح أن يقوم‬                                             ‫منحوتة أو لوحة تصويرية‬
     ‫العرض كله على الأقنعة‬       ‫ومحاولته لتفسير تلك الحالة‬        ‫أو عم ًل سينمائيًّا أو عر ًضا‬
      ‫الكارتونية التي اقتربت‬          ‫الحسية والروحية التي‬
      ‫بالعرض ج ًّدا من فنون‬                                           ‫مسرحيًّا)‪ ،‬ك ٌّل مكتم ٌل في‬
   ‫القراقوز وخيال الظل كما‬        ‫عايشها خلال العرض‪ ،‬يجد‬             ‫شكله النهائي الذي اختار‬
      ‫تظهرها النماذج المرفقة‬        ‫نفسه مضط ًّرا إلى تفصيل‬         ‫مبدعه أن يقدمه للجمهور‪..‬‬
                                       ‫العرض‪ ،‬أو تمزيقه إلى‬
                                   ‫مزق من اللحظات الدرامية‬              ‫كل لا يغير من طبيعته‬
                                    ‫أو المشهديات التي شكلت‬             ‫الفصل المتعسف للنص‪،‬‬
                                      ‫(خلال العرض) لحظات‬           ‫مث ًل عن الإخراج‪ ،‬عن الأداء‬

                                  ‫ذروة استمتاعية‪ ،‬ولكنه على‬
                                   ‫الأغلب لا يسأل نفسه‪ :‬هل‬
                                     ‫كانت لحظات الذروة تلك‬
                                 ‫لتحدث لولا المسافات الخطية‬
   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212