Page 269 - m
P. 269

‫‪267‬‬         ‫ثقافات وفنون‬

            ‫كتب‬

‫نجيب محفوظ‬  ‫علاء فرغلي‬                               ‫أيمن السميري‬         ‫جميع الروايات مهما اختلفت‬
                                                                           ‫في حبكاتها وأهميتها ومهما‬
    ‫أن يكن شعور الحب لمحبوبه‪،‬‬          ‫المجدول‪ ،‬لحضورها المكفكف‪،‬‬       ‫تباينت قيمة ما تقدمه مما أفسد‬
    ‫فالبطل علي حسن غالب يكابد‬      ‫الواصل حتى حدود دمي‪ ،‬لطيبتها‬        ‫علينا ما يسمى «دهشة السرد»‬
    ‫عناء تبعات حبه للبنى ويدفع‬     ‫وهي تطمئن‪ :‬هل أكلت من خبزها‬          ‫التي تجعلنا في غنى عن أبطال‬
 ‫الثمن غاليًا من صحته ومستقبله‬     ‫اليوم؟ هل شربت الشاي من يدها‬       ‫مجنحين ينفثون النار ويتسلقون‬
  ‫وروحه‪ ،‬وتمار تعاني من عذاب‬       ‫هذا الصباح؟ هل زال عني صداع‬         ‫الجبال‪ ،‬في الواقع دهشة السرد‬
                                   ‫الأمس الذي كان يؤلم رأسها؟ هي‬         ‫قلَّما توجد لأسباب عدة وهي‬
      ‫الضمير لأنها ترى في حبها‬                                         ‫عدم هضم المهتمين بالسرد نق ًدا‬
   ‫لعربي مصري خيانة لما نشأت‬         ‫عند النور الساطع في آخر مدى‬     ‫وكتابة للفكرة‪ ،‬لا تحتاج المرويات‬
 ‫عليه وتحاول طوال الوقت في لم‬        ‫البصيرة لكنها لا ترد‪ .‬تمنيت في‬  ‫إلى خيال جامح قدر ما تحتاج إلى‬
    ‫شمل شتات العلاقة ولكن بلا‬      ‫هذه اللحظة لو يطلق الرب أحبتي‬       ‫تناول رصين لما نريد أن نرويه‬
  ‫جدوى‪ ،‬حتى الرجال يتحرقون‬         ‫لساعات‪ ،‬كي يروا فتاهم وقد فاز‬     ‫فليس مه ًّما ما سنقوله بقدر أهمية‬
                                     ‫من غربته بما ضن عليه الوطن‪،‬‬
     ‫جزا ًء لحبهم لوطنهم فحسن‬        ‫لا أريدك يا سيدي الرب الآن أن‬                       ‫كيفية قوله‪.‬‬
   ‫غالب يعيش كالغريب بقناعاته‬      ‫تحيي العظام الرميم‪ ،‬بقدر ما أريد‬   ‫لا يحتاج الكاتب سوى معرفة ما‬
   ‫وشعاراته التي تسقط جميعها‬         ‫قب ًسا من أطيافهم يشفي شوقي‬
    ‫واح ًدا تلو الآخر حتى ينصدم‬    ‫للصاعدين‪ .‬تمنيت لو تسمح لي يا‬        ‫يريده من الكتابة لتحقيق هدفه‬
‫بالواقع وينقل عصارة خبراته إلى‬      ‫سيدي الرب‪ ،‬بعناق وحيد أخير‪،‬‬       ‫منها‪ ،‬لذا نجد بعض الروايات قد‬
‫الابن الذي يحاول استيعاب درس‬       ‫لكن الرجاءات التي طلبتها تمنعت‪،‬‬   ‫استطاعت أن تأتي بدهشة السرد‬
   ‫الأب والجد المكلوم الأكبر الذي‬  ‫والصلوات التي بذلتها ارتدت غير‬     ‫وليس عبر سرد الأحداث الكبرى‬
 ‫ُطعن بضياع ابنه عز العرب‪ ،‬ذاك‬
 ‫الشاب الواعد الذي خرج للحرب‬                              ‫مقبولة»‪.‬‬       ‫ولكن عن طريق الوقوف عند‬
‫في اليمن وطمرته عواصفها برمال‬        ‫طوال الرواية تبدى الحب كلعنة‬       ‫أبسط المشاعر وإبرازها بشكل‬

                         ‫المغيب‬        ‫تطارد كل من تسول له نفسه‬            ‫ناجع ينقل لك المقصود بكل‬
                                                                      ‫حذافير جماله‪ ،‬في رواية «شارع‬
                                                                     ‫بن يهودا» أبرز الكاتب العديد من‬

                                                                        ‫الأحاسيس التي تعتمل بداخله‬
                                                                       ‫ويعد من أهمها هو حبه الشديد‬

                                                                           ‫لأمه وأبيه وشوقه الجارف‬
                                                                        ‫لهما الذي توقف عنده أكثر من‬
                                                                        ‫مرة‪ ،‬أكثرهم تأثي ًرا في رأيي في‬
                                                                      ‫أواخر الرواية حين أخذه السرد‪:‬‬
                                                                        ‫«تصاعد غناء غالية وأنا أهمس‬
                                                                         ‫في أثر الترنيم‪ :‬أنا هنا يا أمي‪.‬‬
                                                                         ‫يرتد الهمس بلا جواب‪ .‬أدور‪،‬‬
                                                                       ‫أفتش في مدارات السحب‪ ،‬غالية‬
                                                                     ‫ربما في النور البعيد تتوسد صدر‬

                                                                          ‫حسن الذي تدرب على حبها‬
                                                                        ‫أسي ًرا يتحرق بالفراق‪ ،‬وجند ًّيا‬
                                                                     ‫على رمال قناة السويس‪ ،‬وسجينًا‬
                                                                       ‫منكس ًرا‪ .‬لغالية وحشة‪ ،‬لشعرها‬
   264   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274