Page 274 - m
P. 274

‫إلى أنها مجرد تجريب ما دامت‬           ‫الإشهار في عصرنا الحالي يقوم على‬
  ‫النتيجة النهائية في صالح الفتاة‬       ‫آليات تقنية دقيقة تسمح له بمراقبة‬
                                        ‫وتتبع رغبات الزبائن وتلبية حاجاتهم‬
      ‫البيضاء‪ ،‬وهو أمر عنصري‬
    ‫يقصي فئة عريضة من ذوي‬                 ‫النفسية والبيولوجية؛ انطلا ًقا من‬
  ‫البشرة السوداء ويرسخ الفكرة‬           ‫المعلومات والمعطيات التي يق ّد ُمها‬
     ‫الخاطئة أن الصفا َء واللمعان‬      ‫الزبون بنفسه ‪-‬بوعي أو بدونه‪ -‬للجهة‬
  ‫ُمرتبطان بلون دون آخر‪ .‬ورغم‬            ‫المش ِهَرة‪ .‬فما نراه اليوم في وسائل‬
‫أن الشركة اعتذرت بشكل رسمي‬            ‫التواصل الاجتماعي ينم عن كون الإنسان‬
  ‫إلا أن ذلك لم يشفع لها في خلق‬         ‫بضاعة كبرى تسمح لل ُمش ِهر أن ينفذ‬
     ‫جدال واسع وضجة إعلامية‬               ‫إلى أعماقه للكشف عن الأمور التي‬
  ‫واقعيًّا وافتراضيًّا وامتد النقاش‬
 ‫لأيام كثيرة‪ ،‬ناهيك عن الخسارة‬                     ‫تستأثر‪ ‬باهتمامه‪.‬‬
      ‫المادية التي تكبدتها الشركة‬
                                        ‫الإشهارية في شركة «دوف»(‪)13‬‬     ‫الإرسالية الإشهارية ناجحة إن لم‬
              ‫بسبب هذا الخطأ‪.‬‬            ‫قبل ثلاث سنوات‪ ،‬إذ تضمنت‬       ‫ُترا ِع المكونات الثقافية للمستهلك‪،‬‬
   ‫بناء على سبق‪ ،‬يمكن القول إن‬          ‫الدعاية مشاهد عنصرية في حق‬       ‫فلو افترضنا أن إشها ًرا ما يدعو‬
 ‫الإشهار وهو يمارس تأثيره على‬         ‫ذوي البشرة السوداء‪ ،‬وهو إعلان‬
‫المتلقي لا يحاول أن يقدم له المن َتج‬  ‫شاركت فيه ثلاث فتيات؛ تستعمل‬            ‫إلى شرب الخمر في مجتمع‬
    ‫وكفى‪ ،‬وإنما يسعى إلى إقامة‬         ‫الفتاة الأولى المنتوج وهي سوداء‬        ‫إسلامي‪ ،‬أو ربط منتوج ما‬
   ‫علاقة بين استهلاك ذاك المن َتج‬     ‫اللون فتتحول في لحظة خاطفة إلى‬    ‫بالتحرر المطلق في مجتمع محافظ‪،‬‬
     ‫والوضع الاجتماعي والثقافي‬                                          ‫أو تلفظ شخصية من الشخصيات‬
‫للمستهلك المفترض‪ .‬إنه يوهمه أن‬                            ‫فتاة بيضاء‪.‬‬        ‫الإشهارية بعبارات عنصرية‬
 ‫شراء المن َتج يزيده قيمة واعتبا ًرا‬        ‫لقد فشل المش ِهر في إيصال‬   ‫واحتقارية في حق فئة أو أقلية من‬
‫ويح ِّوله إلى كائن آخر يختلف عن‬             ‫الرسالة‪ ،‬فهو يريد أن يخبر‬   ‫المجتمع‪ ،‬أو إقحام كلمات بذيئة في‬
  ‫باقي الناس الذين لا يستعملونه‬          ‫المتلقي أن المنتوج «دوف» يزيد‬  ‫الخطاب الإشهاري‪ ..‬من شأن ذلك‬
   ‫أو ليست لهم القدرة الشرائية‬         ‫في الجمال ويصفي البشرة‪ ،‬لكنه‬      ‫أن ين ِّفر المستهلك ويجعله بمنأى‬
 ‫لاقتنائه‪ .‬إنه شخص‪ ،‬باختصار‪،‬‬             ‫أخطأ الإرسال‪ ،‬إذ كان بإمكانه‬         ‫عن مشاهدة تلك الوصلة أو‬
  ‫متميز وخ َّلق واستثنائي‪ ،‬وهو‬        ‫الاقتصار على فتاة واحدة لإظهار‬     ‫الوصلات القادمة لنفس المنتوج‪،‬‬
    ‫الأمر الذي أكده سعيد بنكراد‬       ‫الفرق بين قبل الاستعمال وبعده‪،‬‬     ‫وقد يخلق أحيا ًنا جدا ًل اجتماعيًّا‬
    ‫بقوله‪ :‬إننا «لا نشتري أحذية‬           ‫فيكون قد أوصل الرسالة على‬         ‫قد يصل في بعض الأحيان إلى‬
   ‫بل نشتري أقدا ًما جميلة»‪ ،‬ولا‬      ‫أكمل وجه دون انتقاص واحتقار‪.‬‬      ‫الدعوة إلى مقاطعة المنتوج أو رفع‬
‫«نشتري العطر بل نشتري حالات‬                 ‫ثم إن الحالة الأولى (سوداء‬  ‫دعوى قضائية ضد الجهة المنتجة‬
  ‫إغراء»‪ ،‬و»لا نشتري سيارة بل‬            ‫البشرة) التي استعملت المنتوج‬     ‫للإشهار أو الباثة له‪ .‬ولعل أبرز‬
 ‫نشتري وض ًعا اجتماعيًّا»‪ .‬ونحن‬       ‫أو ًل تشير‪ ،‬حسب منطوق الدعاية‪،‬‬     ‫مثال على ذلك ما قامت به اللجنة‬
 ‫في كل هذه الحالات لا ندرك أننا‬
    ‫نقوم بإرضاء لحاجات ثقافية‬
   ‫لا علاقة لها بالمردودية الفعلية‬

  ‫للمنتوج الذي نقوم بانتقائه»(‪)14‬‬
   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278   279