Page 113 - m
P. 113
111 إبداع ومبدعون
القصة
الأخضر عبر النافذة تفتَّق ليرتفع قامات يانعة غ َّضة، ينفع .لم يكن الأمر سه ًل فلجأ َت إلى تمزيق الجانب
أغصان تمايلت بر َّق ٍة وهي تل ّوح لك كما لو أنها تنقر المطوي من المظروف بقوة .الرعونة تتغلب على ِعناد
على زجاج النافذةَ .ق َّمط َت رأسك بالثوب واستلقي َت الفقاعات البلاستيكية لبطانتهَ .ف َت َح الكيس المهتوك
على الحشية المبسوطة على الأرضِ .عشته حتى
انسح َب ضوء النهار تما ًماُ ،مغلَّ ًفا تما ًما في مهدك. َف َم ُه باعوجاج ،وما تبدى أمام َك ِمن فتحة الكيس
قطرة الحليب لا َمس ْت شفتيك وبقوتهما الشافطة غب َت المفضوض َح َّرك لح َمك و َم َّس عظم َك .تتل َّمس طر َف
ت ِممان ًما.رأس طفل نائ ٍم بهناء على صدر أمهِ .من أ ٍّم. كوم ِة القماش الناعم التي برز ْت ل َك .أوم َض اللو ُن
من كوخ بعيد فتح ِت الشمس ثقو ًبا لها في قصبه. الأنثوي .ارتجف َت .قطع ُة حري ٍر صغيرة تتن َّفس ،مثل
يغزو َك طيفها وقد اختارت لزيارتها هذا الثوبَ .من
هي؟ يداعب الملم ُس وج َهك المغلَّف به ،يلاعب َك الضوء عصفورة ُمنتظرة .شيء وردي مطوي ومحشور
في كي ٍس داخل الكيس .تسح ُب الطرف من الكومة
الخافت خلله .تستنشق الهواء الذي ل َّفكما. بتر ُّدد ،تسحبها كاملة وتنفضها مرة واحدة .ثو ُب
نو ٍم نسائي بكاملِه .لم يكن جدي ًدا ،كان مس َتعم ًل ،بدا
عبر مناخ المهد والنهد والدائرة الغامقة ورائحة ذلك من شريط الدانتيلا الذي كان يؤطر أعلى الصدر.
الحليب ،المساحة الضيقة والهائلة التي يملكها طفل هواء يدور في المكان .الكون! صغير ،قليل ،أو واسع
وكبير ،بإمكانك أن تجمعه في راح ِة يدك.
ويتم َّرغ فيها ،الثدي المسلوب من قبل أصابع ترفة
مغروزة ِب َتملُّ ٍك في اللحم والحلمة الملقومة ،تعرف أنه ِمن أين وكيف ولماذا؟ هي! وهل غيرها؟ هل عثر ْت
الكون ذاته َمن ح َش َره في المُغلَّف و َت َر َكه يحلِّق عاليا. علي َك ،توشك أن تهرع إلى الباب .أن تنزل السلَّم
و ِ َل هذا التاريخ؟
وتتوجه إلى صندوق البريد .أن تنظر في هاتفك
تلك الهدية لم تكن إلا ل َك ،أجلِ ،من لطائفه وقد النقال ،أن تط َّل من النافذة ،أن تبحث في الح َّمام،
َخ َّصك بها ،ولن يفرح ويلت َّذ بها آخر مثلك ،وإن وغير هذا يدور كالعصف في جوف فمك .يمت ُّد لسا ٌن
اشت َّد اصفرار االكأتششيافءَت ِممنتأحخوًرالكغ .اشلاوسةق عفيانليأكب.ي كمض طويل يلت ُّف ويلت ُّف منفت ًحا كي يشرع بالنداء ،حتى
والستارة يصل بحر الشمال .ارتفع صدر َك كالموج باهتياج
المهترئة .والمقصود كان آخ َر ،وإ َّن اسم َك لم يكن على
المظروف ،قد تبا َد ْل َته مع آخر ،أو إن الآخر َخ َط َفه كرنفالي ،و َه َب َط ما إن دفن َت وجه َك فيه.
منك ،وها هو يعود إلي َك ،كال ُحلُم لا يمكن أن يكون هاجم َك الإحساس بكل شيء وكأنه أول ٌّي ،لحمي،
طري ،رخو وناعم ،نيء وأعمى .حيث
لكائن غيرك .أصا َبك شيء .تتصاعد مشاعر غيرة
قاتمة فيك .تش ُّد من طرف ،بينما الآخر يش ُّد بقوة
أكبر في طرفه الآخر .تتشبَّث به .شي ٌء لا يعود ل َك،
والانتظار المم ُّض يحرق آخر غيرك .ما حاول ْت أن
تقو َله ل َك تك ِّرره الآن ثانية ،وقد قبِ ْلت بذلك ،أو إن
الأمر ليس مه ًّما ،مص ًّرا على ال َت َم ُّس ِك بالعيد الذي
كان ساد ًرا في تيهه بحثًا عنك.
جلس َت منتصف الليل في مكانك على ال ِحشية في
الغرفة .انحني َت وامت َّد جذعك لتتناول المظروف المم َّزق
الذي انقذ َف جانبًا على الأرض .التق ْط َت عويناتك
وق َّربته إليك .كنت ُمص ًّرا على معرفة اسمه .الذي
أسق َط الهدية بالخطأ في صندوق بريدك.
-----
نص من رواية «جنوب »2قيد الإنجاز.