Page 118 - m
P. 118
العـدد 58 116
أكتوبر ٢٠٢3
تنهد ُت ِب ِغل ،وقلت في نفسي ..أبو ِك لن يتغير، المياه التي يغدقها على أجساد العطاش ،وعلى أجسا ٍد
لا يزال يلعب معي لعبة الجدران .ودخل ْت ،ألقت
حذاءها بعي ًدا ،وخلعت حجابها ،كانت فوضوية من َهكة من كثرة الركض وراء الأحلام.
لكنها كانت مبهجة ،تشبهني كثي ًرا ،لكنها نسخة ظلت الجدران تتهاوى ثم تصمد مرة أخرى لتحفظ
حديثة ،أظنها لم تتأثر بتحكمات والدها ،لم تجد
مشكلة في أن تكون تحت نظره دائ ًما .دخلت الح َّمام الأسرار ،تضحك ملء فيها ،بل إنها في بعض
وخرجت ،طلبت أن تب ِّدل ملابسها ،قلت لها ملابسي
تحت أمرك ،ارتدي ما تشائين .ودخل ْت حجرتي، الأحيان كانت هي الطرف الآخر في لعبة الأجساد،
ودخلت أنا المطبخ لأعد عشا ًء خفي ًفا .خرج ُت لأجدها
ممددة على سريري وقد اختارت قميص نو ٍم أبي َض كانت وكأنها تضاجعني ،ترتعش وتنتشي معي،
شفا ًفا ،ارتدته على اللحم ،وأشعل ْت سيجارة وأخذت
تنفثها على م َهل في منتهى الاسترخاء .لم تكترث كلما لعنتها رجعت وطلبت ص ْفحها وحمايتها.
لدخولي ،لم ترتبك أو تخبِّئ السيجارة ،بل واصلت
أول يوم في شقتي الجديدة ،أخذت ح َّما ًما دافئًا
تدخينها وقالت: وص َّففت شعري ،ووضعت مكيا ًجا كام ًل ،وتمددت
-لماذا تنظرين إل َّي هكذا؟ على السرير عارية ،لأول مرة أستعذب الوحدة،
-كيف ومتى كبر ِت إلى هذه الدرجة؟! دون تفكير في المتعة ،فقط أشعر بطمأنين ٍة تسري في
-نحن في عصر السرعة ،عصر الإنترنت ،عصر جسدي ،أشعر بهدو ٍء داخلي لم أشعر به منذ زمن.
تقاقلتصيذرلاكلزومتنناوولطت ِّي ِمالمن يسادفايت.صينية العشاء:
أتجول في الشقة حرة ،لا أخشى تل ُّصص أحد ،ولا
-هيَّا ..أنا جائعة ج ًّدا. أخشى أن تباغتني طرقات أحد ،لأول مرة بمفردي،
أكلنا ،وبعدها تمدد ْت على السرير مرة أخرى، في بيتي الجديد الذي اخترت أثاثه قطع ًة قطعة،
وأشعلت سيجارة ثانية ،قلت لها: شقة كبيرة في ح ٍّي را ٍق ،لا أقارب ولا أصحاب،
-سمحت ل ِك في المرة الأولى ،فلا تعيديها. الكل هنا خلف أبوابهم المغلقة ،لا يهتمون ولا
والتقط ُّت السيجارة من يدها ،فأخذتها مني مرة
يتلصصون على أحد .لأول مرة لم أحمل ه َّم تخزين
أخرى وقالت: أمتعتي مرة أخرى والذهاب إلى بيت أبي ،وافقوا
-التحكم لا يليق بك.
وضحك ْت ،وضحكت أنا أي ًضا ..تمددت بجوارها أخي ًرا على أن يتركوني وشأني .في بيتي الجديد كل
على السرير ندخن م ًعا على م َهل ،فتحت لي حسابها شىء جديد ..حتى أنا ..أسحب سيجارة وأشعلها،
الشخصي على العالم الافتراضي ،ع َّرفتني على أنفثها على مهل ،أ ِحب رائحة الدخان ،أراقب خيوطه
أصدقائها ،ع َّرفتني على آخر أخبار الفنانين
والمطربين ،ثم آخر وأحدث المواقع الإباحية التي وهي تتلاشى في الهواء شيئًا فشيئًا ،أشعل شاشة
التلفاز ،أبقي على قنا ٍة تعرض فيلم «غزل البنات»،
اكتشفتها.
ساد بيننا الصمت ،صمت المعرفة ،الجدران التي يغنى عبد الوهاب «وعشق الروح مالوش آخر لكن
بيننا تحطمتِ ،صرنا عاريتين أمام بعضنا ،أمام
أنفسنا ،أمام الجدران ،الرغبة متأججة ،والأجساد عشق الجسد فاني» ،أبتسم وأقول له ..عندك حق.
ظامئة ترتعش ،أصبحت بطلة الحكاية ،فعليها أن أنظر للجدران وأُس ِقط رأسي على الوسادة وأحاول
تنهيها ..أن تقوم بلعبة الأجساد ،وسط الجدران
النوم ..فجأة يدق جرس الباب ،أرتبِك ،أنهض من
التي كعادتها لا تشي بالأسرار.
على السرير وأنا أتساءل َمن يا ترى سيأتي؟ أنا لا
أنتظر ولم أواعد أح ًدا ،ولم تعرف أي ِمن رفيقاتي
عنوان هذه الشقة! ذهبت لأفتح الباب ،تذكرت أني
عارية فالتقطت رو ًبا لففت به جسدي ،نظرت من
العين السحرية لأجدها «غدير» ابن َة أخي ،فتحت
لها الباب ،فدخلت تطير إلى الداخل كالفراشة .كانت
عائدة من الدرس ،أسند ْت كتبها وقالت:
-أبي اتصل بي لأبيت معك.
للاكنأهعرلمفي،عأيطنزعيجخِكب ًرام!جيئي؟ -
-
-لا..