Page 141 - m
P. 141
حين أضحت هي صاحبة القرار بلا بنات» ص.20
وكما بلورت القصائد إدرا ًكا عمي ًقا بثقل
اختارت أن تغني بدًل من أن تبكي؛ التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تكبل النساء
وتحرمهن حق التجربة ،عبرت كذلك عن ثقلها على
إذ يعني البكاء بالنسبة لها كل إنسان يحاول أن يكون حقيقيًّا وقريبًا من ذاته
ومن إيمانه حتى ينوء بها وينكرها «أنا صبأت»
الركون إلى وضع الضحية ،الذي فتتشكل عبر هذه الجملة البسيطة مفارقة مركزية
تفضح ادعاءات المجتمع وسطحيتها وخلوها من
تنم قصائد الديوان عن رفضها المعنى والإنسانية والقيمة .ففي حين تعني الكلمة
الخروج عن العقيدة تتشكل مفارقات ممتدة عبر
الدائم له ،وإن بدا مري ًحا للكثيرات القصيدة تحول معناها من نكران العقيدة إلى
ممن لا يملكن شجاعة تحمل الإيمان الحق بها ،ففي حين يطالب آكل الإرث
والمحافظ على الصلاة برجم الشاعر ،ويتهمه
تبعات الرحلة ،ويجدن في وضع بالزندقة شيخ مهووس بالتحريم والقمع ومتنكر
لأي مسئولية إنسانية ،نجد الشاعر قد فعل كل ما
الضحية رك ًنا آم ًنا بالنسبة لهن. كان من شأنهم القيام به ،ونجده أقرب ما يكون إلى
أسمى العقائد الدينية والإنسانية ونكتشف أنه إنما
بينما تتبلور عبر الديوان منطقة
صبأ عن عقائدهم الزائفة:
أمان وراحة مختلفة صنعتها المرأة «هذا الشاعر الزنديق صبأ
وأنا الشاعر الزنديق أجري أمامهم
لنفسها دون الاستسلام لوضع
أتعثر فيمد لي يده
الضحية.
طفل أشبعت جوعه وسترت أمه
حين مرت أمامي تبيع ثيابها
وأنا أصلي
يأكل الحمام من سنبلات فوق رأسي
تسقيها أمي كل صباح من غيمة ممطرة
نمت فوق سطح دارنا
أنا الشاعر الزنديق فاسمعوني
لم يسمعوا صوتي وداسوني بأقدامهم
بينما الطفل الذي أشبعت جوعه
يصرخ ويقول :أينك يا إلهنا؟» ص.60
كما تشكل عبر الديوان وع ٌّي بالرقابة الاجتماعية
المتلصصة التي تخترق حياة الجميع ،وتمثل هذا
الوعي في مفارقة طريفة وعميقة؛ فحين قررت
الشاعرة نشر إحدى قصائدها الاستثنائية ،وضعت
زوجها وابنها وأمها وجيرانها ومعارفها في قائمة
الأصدقاء المقربين ،ثم حجبت عنهم المنشور.
وضعت أهلها جمي ًعا في قائمة المقربين لأنهم كذلك
على المستوى الظاهري وكان الأولى بهم أن يكونوا
كذلك بالفعل ،ثم همشتهم وأقصتهم جمي ًعا عن
مساحتها الخاصة التي تتوسطها هي وتشكل