Page 257 - m
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

‫الحديثة من طردها من ذائقتي‪..‬‬        ‫لي لأموت» مثلما كتبت هذا في‬        ‫كل شخص له عمل وموهبة‬
        ‫لا أخفى عليك حقيقة أن‬                             ‫يوم ما‪.‬‬      ‫يبدع فيها‪ ،‬وتشرف أنت على‬

‫نشأتي الكهنوتية المندائية‪ ،‬التي‬      ‫غير أن الأهم من تحديد أيهما‬                  ‫الجميع بالنهاية؟‬
    ‫تمجد عناصر الطبيعة الخام‬         ‫الأول؛ الرسام أم الكاتب‪ ،‬هو‬        ‫لا اصدق بأني «أشرف على‬
    ‫وتعتمدها معيا ًرا لنقاء روح‬                                      ‫شخوص عديدة تسكنني» فيما‬
  ‫الانسان‪ ،‬لعبت دو ًرا سر ًّيا في‬       ‫أنى لم يعد يشغلني الحكم‬     ‫تتمرد على نفسي‪ ،‬فواقع الحال‬
   ‫صياغة جمالياتي‪ ..‬المندائيون‬       ‫بينهما‪ ،‬فكلاهما طرداني‪ ،‬كما‬    ‫يقول أ َّنهم (الشخوص) مثل كل‬
   ‫قوم بدائيون رعويون يم ُّتون‬        ‫ُط ِرد إبليس من جنة وحدتي‬     ‫ما يحيطني من كيانا ٍت تسلبني‬
                                                                         ‫نفسي دون مقاوم ٍة‪ ،‬أذهب‬
  ‫بصلة جذرية لنشأة الحضارة‬             ‫واستئناسي بصيد السمك‪.‬‬          ‫معها طواعية بلا عنا ٍد‪ ..‬هؤلاء‬
   ‫الإنسانية في وادي الرافدين‪،‬‬      ‫ما أنجزته في الرسم والطباعة‬        ‫«أصدقاؤك الذين يسكنوني»‬
  ‫فهم من بناتها وعلماء فلكها‪..‬‬       ‫اليدوية‪ ،‬والاشتغال على المواد‬   ‫هم ألد أعدائي الذين لم يتركوا‬
  ‫أعتقد في نفسي وريثًا شرعيًّا‬                                      ‫لي فرصة لأركن على حا ٍل وأنام‬
 ‫لثقافتهم وفلسفتهم الغنوصيَّة‬            ‫الطبيعية (اللباد‪ ،‬والريش‬     ‫على وسادة‪ ،‬أن أكون كما أنا‪:‬‬
                                        ‫والخشب والجلود والورق‬       ‫«لا صورة لي لأعيش‪ ،‬لا صورة‬
                        ‫الأولى‪.‬‬      ‫اليدوي) كان بفعل رجع بعيد‬
    ‫لم أرسم ولم أكتب تحت أي‬        ‫لصدى حياتي الرعوية‪ ،‬وتعلقي‬          ‫مخطوطة مزامير يحيى‬
  ‫ضغط معين ولا بهدف محدد؛‬             ‫بعناصر الطبيعة الخام‪ ،‬التي‬
  ‫لكني أرسم وأكتب لأني أجيد‬         ‫لم تتمكن كل ضروب الصناعة‬
  ‫ذلك وعليَّ أن أفعله‪ ..‬وإلا ماذا‬
‫يفعل المرء ليقضي حياته المكلف‬
 ‫بها غير أن يبرهن عليها؟ نحن‬
 ‫البشر علينا أن نبرهن لأنفسنا‬
 ‫ولغيرنا على أننا نعيش بجدارة‬
 ‫تليق بالإنسان الحر‪ ،‬وللأسف‬

      ‫لم أتعلم في حياتي وسيلة‬
  ‫شريفة للوصول إلى ذلك غير‬

               ‫الرسم والكتابة‪.‬‬

  ‫انتقلت من العراق إلى صحراء‬
   ‫نجد إلى البحرين إلى ليبيا إلى‬
‫يوغوسلافيا إلى روسيا‪ ،‬وأخي ًرا‬
   ‫إلى النرويج‪ ،‬ما الذي أضافته‬
‫كل تلك المحطات في رحلة وحياة‬
   ‫يحيى الشيخ الإبداعيَّة؟ وهل‬
‫التجربة الحياتيَّة بالعموم كفيلة‬

        ‫بإنتاج نص أدبي جيد؟‬

  ‫معي منذ ولادتي يعيش قرين‬
  ‫يعرفني جي ًدا ولا أعرفه‪ ،‬ربما‬

     ‫ولد معي ولم تخبرني أمي‬
‫مخافة أن أفقد عقلي وأعاني من‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262