Page 252 - m
P. 252
حين كتبت "سيرة الرماد" واجهتني
معضلة أن أعيد تشكيل معرفتي،
لأضع حياتي في نصابها الوجودي
أمام الكتابة ،أن أضع الكتابة في
مواجهة الذات .اكتشفت بعد
انجاز الكتاب أن حياتي كانت خارج
صفحاته ،حياتي التي أحبها والتي
هي سر وجودي حتى اليوم ،مبعثرة
في أماكن بعيدة لم يعد لها وجود،
مع ناس اختفت أطيافهم ولا
يمكنني إعادة خلقهم كما ساهموا
في تش ُّكلي..
إلى الحضور .إنهما أغنية؛ كلمات آنذاك انبثق في يدي فع ًل الرسم كتا ًبا لجبران خليل جبران
وموسيقى ،وكنت المغني الذي والكتابة م ًعا كونهما فعل واحد، وأستنسخ منه أورا ًقا وأتمرن
كثي ًرا ما خرج عن اللحن ،وأعاد وكانت يدي ذات الوجهين تقوم على الكتابة الأدبية معتب ًرا نفسي
الغناء. كاتبًا يكتب ،تقمصت شخصية
كتبت ونشرت أولى كتبي وأنا بهما في آ ٍن واح ٍد.
في السادسة والستين ،وكان في لو أمكنني الفصل بين الرسم كاتب يكتب ويرسم ..كان
نيتي تقديم شهادة عن حياتي جبران الروح التي أشرفت على
كرسام ومهاجر منذ أربعين والكتابة ،لأمكنني الإجابة تمريني بحرص شديد ووهبتني
عا ًما .لكني لو جمعت ما كتبته على سؤال من هو الأول ،إنها
قبل هذا العمر لكان ما كان، عملية مزدوجة ،كانت الكتابة ما يعينني ،وكرستني بسر َّية
فالنار وحدها تتذكر والريح فيها المرشد إلى طرائق الرسم تامة في معبدها .والحال أن
التي أخذت آلاف الأوراق وخصائصه التعبيرية ،وكان
المحترقة .آنذاك ،أثناء الكتابة، الرسم فرصة للتفكير بالكتابة.. الرسم انبثق في عملية الكتابة
في الرسم أنتهز فرصة مطاردة وكان جبران (الكاتب الرسام)
كن ُت أريد بقو ٍة أن أكرس نفسي الكلمات واصطيادها ..في الكتابة النموذج الذي علمني كيف يكون
للرسم وأن أحرق الكاتب في أفكر بالرسم ،فتأتي الكلمات الكاتب رسا ًما في آ ٍن واح ٍد ،وأن
يدي ،غير أني فشلت فش ًل ملطخة بالألوان ،وفي الرسم
ذري ًعا ،وكنت في نية الشهادة أفكر بالكتابة فتأتي الأشكال تكون الكتابة رس ًما والرسم
بهذا الفشل فكتبت «سيرة منسوجة بكلمات من هواء.. كتابة .حينها رسمت صورته
أحدهما ُيغيِّب الآخر أو يستدعيه الشخصية بالفحم ،التي رسمها
بنفسه في مقتبل العمر ،وكنت
أرسمه وأعيد كتابة ما كتبه.