Page 254 - m
P. 254

‫العـدد ‪57‬‬                        ‫‪252‬‬

                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

     ‫وينسى النزاع‪ ..‬ويبدو من‬             ‫في نفسي ح ًّرا بشك ٍل مطلق‪،‬‬    ‫يقومان بمعزل عن الآخر‪ .‬وهذا‬
 ‫حجم الحرية التي منحتها لهما‬         ‫فكرة الظهور بلا ندم ولا خوف‪،‬‬                    ‫ينطبق عليَّ تما ًما‪.‬‬

   ‫نض ًجا بلا تشذيب ولا قسر‪،‬‬          ‫فنشر ُت «سيرة الرماد»‪ .‬وكنت‬             ‫آخر مشاريعي في الكتابة‬
 ‫فما كنت أف ِّضل واحد على آخر‪،‬‬       ‫أكثر سعادة من نشره فيما كتب‬       ‫والرسم‪ ،‬كان مخطوطة «التمائم‬
                                      ‫عنه‪ ،‬وكان أولها دراسة بنيو َّية‬   ‫الوثنية»‪ ،‬أطول عمل شعري لي‪،‬‬
   ‫فبهذا يكمن مقتلي‪ .‬كنت طيلة‬         ‫كتبها صديقي التاريخي الفنان‬      ‫تضافرت الكتابة مع الرسم على‬
   ‫حياتي مدللهما الذي لا قريع‬         ‫شاكر حمد‪ ،‬التي فتحت للكتاب‬
 ‫له‪ ،‬يغدقان عليه بالمشاريع‪ ،‬ولا‬                                          ‫كشف مضامينه‪ ..‬عمل مكرس‬
                                        ‫بوابة واسعة لكتابات أخرى؛‬                       ‫للغابة وحدها‪.‬‬
        ‫يبخلان عليه بالنسيان‪.‬‬              ‫من أهمها دراسة الدكتور‬
                                                                            ‫لا أخفى عليك سيدتي‪ ،‬أني‬
   ‫على ذكر «سيرة الرماد»؛ هل‬           ‫لؤي حمزة عباس‪ ،‬التي نزلت‬                      ‫حبيس المحبسين‪.‬‬
   ‫كنت تؤرخ لتاريخ العراق في‬            ‫مقدمة للطبعة الثانية للكتاب‪،‬‬
  ‫الفترة التي عشتها به‪ ،‬أم كنت‬         ‫وسبع دراسات للدكتور ناجح‬         ‫كما ذكرت في ردك السابق أن َك‬
    ‫تؤرخ لمحطة مهمة في حياتك‬                                           ‫قمت بنشر أول كتاب لك في سن‬
    ‫قد تضيع في زحمة المحطات‬                ‫المعموري‪ ،‬الرئيس السابق‬
‫الأخرى الأكثر حضو ًرا وتواج ًدا‬       ‫لاتحاد الكتاب في العراق‪ ،‬وكان‬       ‫السادسة والستين‪ ،‬أين كنت‬
                                                                           ‫ككاتب قبل ذلك العمر‪ ،‬وهل‬
               ‫في قصة حياتك؟‬            ‫من المؤمل أن تصدر في كتاب‬      ‫تعمدت تجاهله كل تلك السنوات‬
                                               ‫خاص كما علمت منه‪.‬‬       ‫حتى لا يسرق الضوء من الفنان‬
‫بتوصي ٍف بسي ٍط للكتاب يمكنني‬                                          ‫فيك؟ وهل فعل؟ وأيهما يغار من‬
    ‫القول إنه عادة كتابة قبل أن‬      ‫لم أتورط في حسم الصراع بين‬        ‫الآخر الرسام أم الكاتب؟ وأيهما‬
    ‫يكون فكرة كتاب ذي هدف‬               ‫الفنان والكاتب في يدي‪ ،‬لأني‬
    ‫وصيغة معينة‪ ..‬وكأني ألقى‬            ‫واثق من خسارتي في المعركة‬                         ‫تفضله أنت؟‬
  ‫حج ًرا في بركة راكدة‪ ،‬اتسعت‬
      ‫الكتابة وك َّونت كتا ًبا كانت‬   ‫وفي الحكم‪ ،‬فتركتهما يمارسان‬          ‫قبل السادسة والستين كنت‬
                                     ‫حياتهما بحرية‪ ،‬لطالما خراجهما‬        ‫كاتبًا أكثر أهمية مما أنا عليه‬
 ‫السيرة مدخ ًل له‪ ،‬لكنها لم تكن‬
 ‫معناه الوحيد‪ ،‬ولا غرضه‪ .‬لهذا‬              ‫يصب في أرضي في نهاية‬             ‫الآن‪ ،‬بفعل أهوائه ونزعاته‬
                                                             ‫المطاف‪.‬‬       ‫السر َّية ولغته الخام‪ ..‬عندما‬
   ‫توارت سيرتي خلف أفكاري‬                                              ‫نكون مع أنفسنا فقط نكون أكثر‬
‫ومفاهيمي ومحاولاتي الشعرية‪،‬‬            ‫ليس من توأم يغار من توأمه‪،‬‬      ‫شجاعة وجرأة فيما نفعل‪ ..‬كنت‬
                                        ‫قد ينازعه على شيء؛ لكنه في‬         ‫كاتبًا يتقمص ناق ًدا‪ ،‬كاتبًا لا‬

                                          ‫ساعة صفاء النية يحتضنه‬                       ‫يعترف بالنشر‬
                                                                                           ‫ولم يكرس‬

                                                                                        ‫حياته لطقوس‬
                                                                                       ‫الكتابة‪ .‬بصدق‪،‬‬
                                                                                        ‫كنت ألعب معه‬
                                                                                       ‫لعبة «الختيلة»‪.‬‬
                                                                                        ‫غير أن اختفاء‬

                                                                                         ‫الناقد لعجزه‬
                                                                                            ‫عن دوره‪،‬‬

                                                                                          ‫ويأسه مني‪،‬‬
                                                                                         ‫س َّوق للكاتب‬
                                                                                         ‫الذي اعتقدته‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259