Page 259 - m
P. 259

‫‪257‬‬            ‫ثقافات وفنون‬

               ‫حوار‬

‫ناجح المعموري‬  ‫ميلان كونديرا‬                       ‫لؤي حمزة عباس‬         ‫الزلزال الذي أحدثته سنابك‬
                                                                           ‫خيل هولاكو والتصدعات‬
    ‫معرفتنا‪ ..‬كنا آنذاك نتبادلها‬    ‫طرح الغامض والغرائبي‪ ،‬لنقل‬
 ‫ونسقي حقول بعضنا البعض‪.‬‬                 ‫«طرح الأسئلة بالعموم»؟‬        ‫العميقة التي رافقتها‪ ،‬ما زالت‬
 ‫هكذا كان ذاك الجيل يقرا كتا ًبا‬                                       ‫تعتمل في الحياة العراقية حتى‬
‫واح ًدا في آ ٍن واح ٍد‪ ،‬فتسمع نفس‬  ‫كان سركون عائ ًدا من المدرسة‬
  ‫الأفكار تدور في المقاهي‪ ،‬حتى‬      ‫بعد تقديم الامتحان‪ ،‬واحد من‬         ‫اليوم‪ ،‬وما جاء به السلاطين‬
  ‫يطرح كتاب آخر في الاسواق‪..‬‬                                            ‫والإنجليز والعسكر والفقهاء‬
‫كان منعم حسن موظف مصلحة‬               ‫امتحانات المدرسة الإعدادية‪،‬‬        ‫فيما بعد كان رج ًعا للزلزال‪،‬‬
                                         ‫التي قدمها قبل سفره إلى‬
    ‫الكهرباء وقارئ ع َّداداتها في‬                                                         ‫ارتدا ًدا له‪.‬‬
 ‫البيوت‪ ،‬مصدرنا الموثوق بعقله‬        ‫أمريكا‪ ..‬كانت تفاصيل الحياة‬         ‫العراق أرض غنية يطمع بها‬
                                       ‫تشغله‪ ،‬خاصة تلك المألوفة‬         ‫الجميع‪ ،‬وشعب هش متناحر‬
    ‫وحساسيته الفكرية‪ ،‬وكانت‬                                           ‫عرف أعداؤه كيف يلعبون معه‬
‫مكتبة (بناي) في الباب الشرقي‪،‬‬        ‫والغائبة عن الأذهان‪ ..‬لم أكن‬
                                    ‫أعرف عنه أكثر من قصيدة أو‬                    ‫لعبتهم ويسحقونه‪.‬‬
      ‫مصدر الكتب المسروقة أو‬                                            ‫البلدان العربية ذات السلطات‬
          ‫المأخوذة بالدين الميت‪.‬‬      ‫اثنتين كان نشرهما في مجلة‬          ‫المركزية القوية والرأس مال‬
                                         ‫“العاملون في النفط” التي‬
      ‫ذكرت الحادثة في “سيرة‬             ‫أشرف عليها جبرا إبراهيم‬           ‫الضخم أمكنها المناورة مع‬
    ‫الرماد” للإشارة إلى ما كان‬                                            ‫الرأسمالية المسعورة‪ ،‬ألقت‬
‫يشغل عقلنا ويعمق الجدل بيننا‪،‬‬        ‫جبرا‪ ،‬أو في المجلات اللبنانية‪.‬‬    ‫لها عظمة انشغلت بها وراحت‬
   ‫حتى لو كان جناح ذبابة‪ ..‬لم‬           ‫لمست فيه منقبًا في طبقات‬          ‫هي تبني ما تريده‪ ..‬مع أن‬
 ‫ألتق سركون بعد ذاك اللقاء إلا‬                                       ‫العراق من أغناها غير أن نظامه‬
‫عبر ما كان ينشره من شعر هنا‬         ‫الحياة‪ ،‬في أنسجة الحقيقة عبر‬      ‫السياسي الهش منخور العظام‬
    ‫وهناك‪ ،‬حتى رحيله الموجع‪.‬‬          ‫ظواهرها‪ ،‬عبر وعي أبعادها‪،‬‬       ‫غير قادر حتى على توفير حياة‬
                                                                     ‫متواضعة كريمة لشعبه‪ ..‬إنه بلد‬
  ‫على ذكر سركون بولص‪ ،‬أرى‬          ‫لكني لم أكن غير مستمع لرجل‬         ‫مستعمر باتفا ٍق سري وبصيغة‬
                                   ‫عفوي يطرح سؤا ًل يختبرنا فيه‬      ‫مشوهة بغيضة للاستعمار الذي‬
                                                                       ‫كنا نعرفه‪ ،‬يذكرنا بالاستعمار‬
                                     ‫كما تم اختباره‪ ..‬ربما ليقيس‬
                                     ‫مناسيب معرفته بالمقارنة مع‬                 ‫العثماني في جوهره‪.‬‬
                                                                         ‫ما يحدث في السودان اليوم‬
                                                                        ‫مصير ينتظرنا بهذا القدر أو‬

                                                                                               ‫ذاك‪.‬‬

                                                                      ‫وقفت حائرة أمام السؤال الذي‬
                                                                      ‫وجهه لك سركون بولص « كم‬

                                                                         ‫جناح للذبابة؟»‪ ،‬قلت لنفسي‬
                                                                       ‫ما الذي يجعل سركون يسأل‬
                                                                      ‫هكذا سؤال في أول لقاء يجمعه‬

                                                                           ‫بك أنت وفائق حسين‪ ،‬هل‬
                                                                     ‫قصد جذب الانتباه بهذا السؤال‬

                                                                       ‫الغريب‪ ،‬أم أن هذه هي فلسفة‬
                                                                         ‫سركون في الحياة والشعر‪:‬‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264