Page 268 - m
P. 268

‫في الماضي القريب أو البعيد‪،‬‬  ‫استعرضت ثلاثية نجيب محفوظ سيرة‬
‫دمجت الرواية بين أكثر من تقنية‬     ‫وطن فيما يربو على النصف قرن من‬
                                    ‫خلال رصد لكافة الأحداث السياسية‬
  ‫في مشهد واحد كمشهد الإعدام‬      ‫والمتغيرات الاجتماعية وأزمات الأبطال‬
   ‫حيث ُجمع بين تقنيات التدرج‬     ‫وما يواتي دواخلهم من خواطر وأحلام‬
  ‫والتوازي والتركيب؛ يبدأ بكادر‬   ‫ومآ ٍس اعتما ًدا على الراوي العليم الذي‬
 ‫«نهار خارجي» بميدان العباسية‬      ‫منح أديب نوبل الأريحية في الخروج‬
 ‫حيث البطل خارج لتوه من مبنى‬      ‫من شخصية للولوج لعالم الأخرى؛ َتمثل‬
‫أمن الدولة‪ ،‬توازى مع هذا الكادر‬    ‫أبطال الثلاثية كنجوم مسرح يسلط‬
    ‫استدعاء لصورة شيخ القرية‬      ‫عليهم الضوء لإبراز مفاتيح كل بطل‪..‬‬
  ‫وهو يلهج بالدعاء على إسرائيل‬
 ‫غير أن تضرعاته لم تل َق القبول‪،‬‬      ‫نفسية الأبطال وتغير رؤاهم‬          ‫دواخلهم من خواطر وأحلام‬
   ‫ثم تتداخل صورة الأم «غالية»‬      ‫ونظرتهم للحياة وتعاطيهم مع‬       ‫ومآ ٍس اعتما ًدا على الراوي العليم‬
 ‫وهي تعتب على ابنها لقبول مهمة‬
   ‫العمل في إسرائيل وغضب أبيه‬                   ‫نوائبها وأحداثها‪.‬‬      ‫الذي منح أديب نوبل الأريحية‬
‫من السفر إلى قدس أقداس الأعداء‬            ‫تأثر الأدب بمعظم فنون‬      ‫في الخروج من شخصية للولوج‬
 ‫وتوصيته له بعدم إخبار أقاربهم‬    ‫السينما مثل التركيب والاقتصاد‬     ‫لعالم الأخرى؛ َتمثل أبطال الثلاثية‬
  ‫بهذا العار لتلوح سيرة السادات‬          ‫والتدرجات والفلاش باك‬
‫الذي مهد الطريق لأمثاله ليسلكوا‬       ‫والرصد الدقيق للمشهد فيما‬           ‫كنجوم مسرح يسلط عليهم‬
    ‫هذا الدرب قبل أن يرحل ثمنًا‬      ‫يسمى بالسينمائية‪ ،‬استفادت‬         ‫الضوء لإبراز مفاتيح كل بطل‪،‬‬
                                   ‫الرواية على وجه الخصوص من‬            ‫في حين استندت رواية شارع‬
                        ‫لطريقه!‬     ‫التقنيات السينمائية التي تعزز‬      ‫بن يهودا إلى الراوي العليم في‬
  ‫تتوالى الصور السينمائية إلى أن‬   ‫من تقنية الوصف وتجعلها أكثر‬
‫يفتضح أمر البطل الذي يوشى به‬      ‫حيوية‪ ،‬تتفاوت دقة هذه التقنيات‬         ‫مواضع محددة للوقوف على‬
‫لتقام له أسرع محاكمة في التاريخ‬   ‫والبراعة في تطويعها حسب قدرة‬        ‫تاريخية الموقف وسرد ظروفه‪،‬‬
                                     ‫الكاتب وتشربه لهذه التقنيات‬     ‫بينما جاء أغلب السرد عن طريق‬
   ‫بكامل عدتها من هيئة محلفين‬      ‫وحرفيته في الانتقال من إحداها‬
  ‫لمنصة‪ ،‬وعلم وآيات من القرآن‪،‬‬      ‫إلى الأخرى‪ ،‬كما ذكرت مسب ًقا‬        ‫الراوي المشارك‪ ،‬وهو الراوي‬
                                    ‫فإن تقنية الفلاش باك حاضرة‬      ‫الأكثر ملاءمة للوقوف على سيرة‬
    ‫والمحامي بائع التين‪ ،‬ف ُيصدر‬     ‫وفي أكثر من موضع بالرواية‬
 ‫الحكم ويسهب الكاتب في وصف‬         ‫وتم دمجها بالحاضر وبالماضي‬          ‫وطن تخامر السبعين عا ًما عبر‬
 ‫حماسة شعب العباسية الغاضب‬            ‫القريب للوقوف على معطيات‬      ‫أكثر من جيل كانت تجربة آخرهم‬
 ‫وهو يحتفل ابتها ًجا بالنصر على‬   ‫اللحظة الآنية ومقارنتها بمثيلتها‬  ‫الحياتية «علي حسن غالب» بمثابة‬

                        ‫الخائن‪.‬‬                                          ‫شهادة على وطن يرزح تحت‬
 ‫مؤخ ًرا تحدث الكاتب علاء فرغلي‬                                         ‫وطأة الاضطرابات السياسية‬
                                                                        ‫والمتناقضات الاجتماعية التي‬
   ‫عن رواج جمل نقدية أصبحت‬                                             ‫تلقي بثقلها على عوامل تشكيل‬
    ‫كالكليشيهات «كعذوبة السرد‬
  ‫وسلاسته والبناء المحكم»‪ ،‬وهو‬
    ‫ما أؤيده به لأن هذه العبارات‬
    ‫يتم تناولها من قبل أشخاص‬
 ‫غير متخصصين لا يحتكمون إلى‬
 ‫قواعد نقدية محددة‪ ،‬مما يجعلهم‬
  ‫يكررون نفس الكلام تعقيبًا على‬
   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272   273