Page 117 - مجلة دلمون العدد 25 يونيو 2019م
P. 117

‫الصادرات‬

              ‫للنوعية‪ ،‬أو أنها ترادف كلمة «ممتاز» (‪7.)Super‬‬      ‫الأخرى‪ .‬إذن ليس غري ًبا عدم العثور على مثل هذه‬
          ‫إن مسألة التعرف على أدلة صادرات بلاد الرافدينية‬        ‫السلع بين المعطيات الأثرية بشكل واضح وجلي‬
          ‫إلى الخليج العربي في الألف الثالث قبل الميلاد‬          ‫في مواقع الخليج العربي بشكل عام ومنطقة‬
          ‫تبدو قليلة وضئيلة قياسا بالواردات‪ ،‬وذلك راجع‬           ‫مجان شبه جزيرة عمان بشكل خاص‪ ،‬لأن المنطقة‬
          ‫بالدرجة الأولى إلى أن أكثر معلوماتنا عن الصادرات‬       ‫الأخيرة كانت تتمتع بقسط لا بأس به من النشاط‬
          ‫والواردات جائتنا من منطقة جنوب بلاد الرافدين‬           ‫الزراعي‪ ،‬حتى أن بعض الباحثين يرجح أن الشعير‬
          ‫خاصة أدلة النصوص الكتابية‪ ،‬مما يجعل أمر‬                ‫الذي تذكره النصوص المسمارية كسلع إلى مجان‬
          ‫الحصول على نصوص الصادرات لبلاد الرافدينية في‬           ‫لابد وأنه من السلع الكمالية‪ 5.‬ومن الأرجح القول أن‬
          ‫مواقع مدن الخليج العربي التجارية شبه مستحيلة‪،‬‬          ‫أنواع المنتوجات الزراعية التي تستخدم للتصدير‬
          ‫مقارنة بما وصلنا من نصوص في مواقع مدن جنوب‬             ‫من بلاد الرافدين كانت تحوي الجيدة منها خصو ًصا‬
          ‫بلاد الرافدين ذات التنظيمات الاقتصادية الخاصة‬          ‫الدقيق‪ ،‬وحتى لو افترضنا أن مجتمعات عمان كان‬
          ‫بالمراسلات والعقود التجارية لدول وإمبراطوريات‬          ‫بمقدورها سد حاجتها من الحبوب‪ ،‬فإن امتلاك‬
          ‫بلاد الرافدين القديم‪ ،‬ناهيك عن أن ظهور الكتابة‬         ‫فائ ًضا طي ًبا من الحبوب ذات النوعية الممتازة يعد‬
          ‫وتوفر المواد الأولية الخاصة بها والكتبة من أرض‬         ‫علامة واضحة للثراء خاصة مع وجود فائض في إنتاج‬
          ‫جنوب بلاد الرافدين‪ ،‬ومهما كانت كمية النصوص‬
          ‫المكتشفة خارج بلاد الرافدين فإنها لا تصل إلى‬                     ‫النحاس الذي كان يصدر أسا ًسا من مجان‪.‬‬
          ‫عشر ما اكتشف ود ّون في البلد الأصلي للكتابة‬            ‫أ ّما فيما يخص واردات جنوب بلاد الرافدين فكان‬
          ‫بالإضافة إلى أن صادرات بلاد الرافدين بحد ذاتها‬         ‫في مقدمتها المعادن لاسيما النحاس وكافة‬
          ‫كما المحنا هي أشياء غير قابلة للبقاء بصورة عامة‬        ‫أنواع الأخشاب والأحجار الكريمة وغير الكريمة التي‬
          ‫مثل الحبوب والزيوت النباتية والحيوانية والصوف‬          ‫يحتاجها الفنانون والنحاتون والمعماريون في البلاد‪،‬‬
          ‫والخيوط والخضراوات‪ ...‬الخ‪ ،‬على عكس الأحجار‬             ‫وكان أغلبها يأتي من مجان‪ ،‬أما بالنسبة لبعض‬
          ‫والمعادن التي هي صادرات دلمون الأساسية إلى‬             ‫الأحجار ومنها اللازورد الأزرق فكان يتم استيراده من‬
                                                                 ‫مناطق «باداخشان»(‪ )Badakhshan‬البعيدة‪ ،‬ومن‬
                                      ‫أرض جنوب بلاد الرافدين‪.‬‬    ‫مناطق أخرى في حضارة وادي السند‪ ،‬عن طريق‬
          ‫أهمية موقــع دلمون المتوســط بيــن مراكــز‬             ‫السفن المجانية‪ ،‬والأكثر منها السفن الدلمونية‬
                                                                 ‫التي كانت لا تنقل فقط منتجات مناطقها فحسب‬
                                                    ‫الحضــارات‪:‬‬  ‫كالتمور وغيرها بل منتجات مجان والمناطق‬
          ‫يعتبر الخليج العربي بشكل عام وموقع دلمون‬               ‫البعيدة الأخرى خاصة نحاس مجان‪ ،‬وقد لعبت‬
          ‫بشكل خاص‪ ،‬حلقة وصل جيدة بين مجموعة من‬                  ‫الموانئ والسفن الدلمونية دو ًرا ها ًما في جلبه إلى‬
          ‫مراكز الحضارات القديمة وهي مركز حضارة بلاد‬             ‫مناطق جنوب بلاد الرافدين وسوريا القديمة عبر‬
          ‫الرافدين وحضارة عيلام وحضارة وادي السند ومركز‬          ‫مجرى نهر الفرات‪ ،‬أي بتجارة بحرية نهرية‪ ،‬بدليل أ ّن‬
          ‫حضارة العربية الجنوبية‪ ،‬وهو بهذا الموقع يعد‬            ‫الجزء الذي يحمل هذه التجارة من نهر الفرات قد‬
          ‫طريق المواصلات المائي الوحيد في العالم القديم‬          ‫خ ّلد بالاسم السومري إد‪-‬أورودو (‪ )ID. URUDU‬أي‬
          ‫الذي ربط بين إقليمين مناخيين متميزين مختلفين‬           ‫نهر النحاس‪ 6.‬وفيما يخص مكانة دلمون وتجارة‬
          ‫في إنتاجهما الزراعي والحيواني‪ ،‬هما إقليم البحر‬         ‫منتجاتها‪ ،‬فيكفي أن نشير إلى أن عددا من‬
          ‫«المتوسط» والإقليم الاستوائي‪(،‬ينظر الخارطة رقم‬         ‫البضائع والمنتجات جرى تمييزها بمصطلح دلمون‬
          ‫‪ )-2-‬فالحبوب والزيوت النباتية والحيوانية والنبيذ‬       ‫(‪ )Dilmun‬إلى جانب اسم المنتوج‪ ،‬ويدل هذا على‬
          ‫وغيرها من المنتجات المصن ّعة‪ ،‬تعد أشهر نتاج‬            ‫أ ّن دلمون وفي فترة مبكرة جدا كانت تمثل معيارا‬

                                                                 ‫‪117‬‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122