Page 92 - التصحيح الأخير لملخص تاريخ بني صالح (2)
P. 92
٩2
والأمة لا تدري ما الذي یفعله "التلمیدي" ،ثم یقول لها كلي أنت وأبناؤك ،فتأكل من الطعام
الحلو الجمیل ،فإذا بقیت بقیة وأرادت أن تتصدق بها أو تهدیها لجیرانها لم تجد شیئا ،وبقیت
على هذا الحال ،فسمنت هي وأبناؤها والناس في شدة وقحط.
فاتهمها البعض بأنها " اتمص" أو تسرق ،وهكذا وصل هذا الاتهام إلى سیدها ،فاستدعاها
وهددها وسألها عن حالها وما الذي جعلها تكون في أحسن حال والناس في ما هم فیه ؟! .فقالت
له :یا سیدي " َع ْر ِب َي" لا تعجل علي ،فیه تلمیذ من تلامیذك یأتیني كل لیلة إذا انصرف من
الدرس ویقول لي :اجعلي قدرك على النار ،فأفعل ،ثم یأتي إلى القدر ویفعل فیه ما یفعل لا
أدري ما هو ،ثم یقول لي :كلي أنت وأبناؤك ،فآكل من طعام حلو ولذیذ ،فإذا بقي شيء
وأردت أن أهدیه أو أتصدق به فلم أر شیئا ،هذه قصتي ،فقال لها :هل تعرفینه ؟ ،قالت :نعم.
فأعطاها زعفرانا وقال لها :إذا جاءك وانصرف فر ّشیه من الخلف لنتعرف علیه ،فلما كان من
اللیلة القابلة جاءها وقام بما كان یقوم به ،فلما و ّلى ر ّشته بالزعفران دون أن یشعر ،فلما كان
من الغد وتوافد الطلاب ناداها سیدها هل فعلت ما أمرتك به ؟ قالت :نعم.
ملاحظة :هذه القصة حفظناها منذ الصغر یحكیها الكبار كثیرا في المجالس وللأطفال لیالي
السمر لإطالة العتمة ،وهي شهیرة لدى المجتمع .ویظهر من سیاقها أن مدینة شنقیط كانت قائمة
قبل مجيء الشیخ محمد قلي رحمه الله إلیها كما سیتضح في بقیة القصة ،التي تبقى في دائرة
القصص والحكایات التي تحتمل أن تكون واقعیة أو من الخیال الفني ،إذا لم یكن هناك دلیل
مستقل یؤكدها أو ینفیها .والله المستعان.
الشیخ ینادي أمته :هل فعلت ما أمرتك به ؟ .قالت :نعم ،یا ( َع ْربِ َي) .قال لها أین هو ؟.
فأشارت إلیه ها هو ،فناداه :اقترب ،اقترب من الشیخ فقربه وأكرمه وب ّجله ،وأولاه عنایة
خاصة ،لما رأى فیه من النبل والذكاء وأمارات الصلاح والتمیز ،فكان محل اهتمام الشیخ
بشكل لفت انتباه الجمیع .قرر أن یزوجه ابنته "........." :وأعطاه بیتا یسكنه هو وزوجته ،
فأقبل الشیخ محمد قلي على العبادة ،وتحصیل العلم على شیخه وصهره ،وقد حظي بمكانة
كبیرة لدى الشیخ والمحیط كله .وكان الشیخ محمد قلي یمتاز بأخلاق وأحوال وكرامات طارت
بها الركبان كل مطیر.
ومن عادة أهل شنقیط أنهم كل سنة یرسلون میرة لتأتي بالمؤن وما یحتاجه الناس ،خاصة
وأن الظرف كان یمتاز بقدر من الشدة والقحط وصعوبة الحال .مرت سنة على الزواج المیمون
،وأصبحت أسرة أهل محمد قلي محل الأنظار وحدیث الناس ،لما یمتاز به الشیخ من ممیزات
الفضل والكرم والأخلاق العظیمة ،وقد ولد لهما مولود زاد الأسرة تمیزا واعتزازا ومكانة لدى
الجمیع ،وكان من المتعین على أهل محمد قلي أن ینظموا تلك السنة أمر المیرة ویشرفوا على
ما یلزم لذهابها وعودتها .وكان شباب شنقیط یسخرون ویتندرون ویقولون :المیرة على أهل
محمد قلي فكیف یفعلون وهم فقراء لا یملكون شیئا ؟!.
وكانت زوجة محمد قلي تسمع هذا ویبلغها ،فتأثرت كثیرا ،ولم تعد تطیق هذا الذي یتندر به
شباب مجتمعها ،فقررت أن تخبر زوجها الرجل الصالح المنقطع للعبادة وقراءة العلم .فلما
أخبرته وهي متأثرة ،بل إنها جعلت تبكي ،حسب الروایة المحفوظة المتداولة ،فقال لها :ما