Page 68 - ثقافة قانونية العدد الخامس للنشر الإلكتروني
P. 68

‫االلقماننتودنيي‬
       ‫تغير المناخ‬
‫وحماية حقوق الإنسان‬                                                                                  ‫بقلم ‪:‬‬
 ‫فى القانون المصري‬

           ‫المستشار الدكتور ‪ /‬أشرف هلال‬

‫رئيس محكمة الاستئناف – والمحكم الدولى والخبير البيئى‬

‫شـهد تغيـر المنـاخ خـال العقديـن الأخيريـن تدهـورا مخيفـا‪ ،‬ففـى كل يـوم جديـد مـن أيـام السـنة يـزداد الاحتباس‬
‫الحـرارى وترتفـع درجـة الحـرارة بسـبب زيـادة انبعاثـات الغـازات الدفيئـة الناتجـة مـن زيـادة حجـم أنشـطة التصنيـع‬
‫والابتـكارات التكنولوجيـة الحديثـة ممـا يـؤدى إلـى زيـادة اسـتخدام الوقـود ومـن ثـم زيـادة هـذه الانبعاثـات فضـا‬

                         ‫عـن تلـوث الهـواء بالأبخـرة والدخـان وبالغـازات السـامة والضـارة والخانقـة والحابسـة للحـرارة‪.‬‬

‫الجمهورى رقم ‪ 227‬لسنة ‪ 2003‬والمعمول به اعتبارا من ‪ 2005/4/12‬والمنشور فى‬             ‫وفى كل يوم جديد تزداد إزالة أشجار الغابات لخلق مساحة للزراعة‪ ،‬ويزداد تلوث‬              ‫‪68‬‬
‫الجريدة الرسمية فى ‪ ،2007/2/22‬والموافقة على التعديلات المدخلة على بروتوكول‬          ‫الماء فى البحار والمحيطات والأنهار بحيث إن أكثر من خمسين بالمائة من كل أنهار‬
‫كيوتو المعتمدة فى ديسمبر سنة ‪ 2012‬بموجب القرار الجمهورى رقم ‪ 395‬لسنة ‪2019‬‬           ‫العالم هى الآن أنهار ملوثة؛ بل إن التلوث قد بلغ حتى المياه الجوفية العذبة التى كان‬
‫والمعمول به اعتبارا من ‪ 2020/2/3‬والمنشورة فى الجريدة الرسمية فى ‪.2020/4/9‬‬
‫كما تم اعتماد اتفاق باريس فى مؤتمر الأطراف ‪ 21‬فى ‪ 2015/12/12‬والذى دخل‬                                                  ‫يعتقد فى السابق أنها بمأمن من التلوث‪.‬‬
‫حيز التنفيذ فى ‪ 2016/11/4‬لتعزيز العمل العالمى للتحول نحو عالم منخفض الكربون‬         ‫وفى كل يوم جديد يؤثر تغير المناخ تأثيرا سلبيا على حقوق الإنسان ومنها الحق‬
                                                                                    ‫فى الحياة‪ ،‬والحق فى التنمية‪ ،‬والحق فى الصحة‪ ،‬والحق فى الغذاء‪ ،‬والحق فى المياه‬
                                   ‫وبناء القدرة على الصمود مع تغير المناخ‪.‬‬          ‫والصرف الصحي‪ ،‬والحق فى المسكن الملائم‪ ،‬ويتعين على الدول عدم الإضرار بهذه‬
‫وتستضيف مصر هذا العام خلال الفترة من ‪ 7‬إلى ‪ 18‬نوفمبر بمدينة شرم الشيخ‬               ‫الحقوق‪ ،‬والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة‪،‬‬
‫الـدورة ‪ 27‬من مؤتمر الأطـراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ‬       ‫وضمان حقوق الأجيال القادمة؛ ومن ثم فإن التخفيف من حدة آثار تغير المناخ والتكيف‬
                                                                                    ‫معه تدخل فى تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان وتعتبر من الضروريات الخمس‬
                                                           ‫(‪.)COP27‬‬
‫وقد حرص الدستور المصرى الصادر سنة ‪ 2014‬على اعتبار البيئة أحد الحقوق‬                                                      ‫(النفس والنسل والعقل والمال والدين)‪.‬‬
‫الأساسية للإنسان فجعل لكل مصرى الحق فى بيئة صحية سليمة وأن حمايتها واتخاذ‬           ‫فحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على النفس‬
‫التدابير اللازمة للحفاظ عليها واجب وطني‪ ،‬كما ظهرت التشريعات واللوائح الوطنية‬        ‫لأن عدم التكيف مع تغير المناخ‪ ،‬واستنزاف الموارد‪ ،‬والإخلال بالتوازن البيئى‪ ،‬أصبح‬
‫التى جعلت جل اهتمامها منصباً على حماية الإنسان وحقه فى بيئة نظيفة ولا سيما‬          ‫يهدد حياة البشر‪ ،‬فتغير المناخ من العوامل التى تؤدى إلى زيادة الخطر على الإنسان‬
‫أن زيادة الانبعاثات المسببة لظاهرة تغير المناخ الذى يطرأ على البيئة الطبيعية أو‬
‫الحيوية بما لها من آثار ضارة قد تهدد حياة البشر؛ ومن ثم فإن تغير المناخ قد يؤثر‬                                                         ‫وحياته يوما بعد يوم‪.‬‬
                                                                                    ‫وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على النسل لأن‬
             ‫بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على التمتع الفعلى بحقوق الإنسان‪.‬‬           ‫تغير المناخ يهدد الأجيال المستقبلة‪ ،‬بما يحمله فى طياته من أسباب الهلاك والدمار‪،‬‬
‫وقد اتخذت مصر من الناحية التشريعية فى سبيل حماية حقوق الإنسان بشأن‬                  ‫التى قد ينجو منها ‪ -‬إلى حد ما ‪ -‬أجيال اليوم‪ ،‬ولكن الخطر يتفاقم ويتكاثر ويتركز‬
‫تغير المناخ تدابير إيجابية للتخفيف من آثار تغير المناخ ومنع آثاره الضارة والتكيف‬    ‫بالنسبة للأجيال القادمة‪ ،‬فنحن نستنزف الموارد المذخورة التى هى من حقهم‪ ،‬لنسرف‬
‫معها إحدى وسيلتين‪ :‬الأولى محاولة إصدار تشريعات جنائية خاصة متعددة لحماية‬
‫البيئة وعناصرها المختلفة من أفعال الاعتداء عليها أو للاحتفاظ بها سليمة وتنظيم‬                    ‫فى استهلاكها‪ ،‬ونحن نخل بالتوازن الكونى‪ ،‬الذى يضر إخلاله بهم‪.‬‬
‫أوجه استخداماتها بحسب عناصر البيئة وتغير المناخ‪ .‬والثانية إصدار قانون جنائى‬         ‫وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على العقل لأن‬
‫خاص واحد بشأن البيئة يشمل هذه القيمة بالحماية بصفة عامة وعناصرها بصفة‬               ‫التخفيف من حدة آثار تغير المناخ والتكيف معه يقتضى المحافظة على الإنسان‪ ،‬بكيانه‬
‫خاصة؛ والمتتبع لقوانين حماية البيئة فى مصر قبل صدور قانون البيئة رقم ‪ 4‬لسنة‬         ‫كله‪ ،‬الجسدى والعقلى والنفسى‪ ،‬ولا معنى للمحافظة على الإنسان إذا لم تحافظ‬
‫‪ 1994‬المعدل بالقانونين رقمى ‪ 9‬لسنة ‪ 2009‬و‪ 105‬لسنة ‪ 2015‬يجد أنها لم ترد‬
‫فى نصوص موحدة‪ ،‬وإنما وردت فى نصوص متناثرة؛ فبعض منها ورد النص عليه‬                                                              ‫على عقله‪ ،‬الذى ميزه الله به‪.‬‬
‫فى قانون العقوبات‪ ،‬والآخر فى تشريعات جنائية خاصة أو فى الاتفاقيات الدولية‬           ‫وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على المال لأن‬
‫التى صدقت عليها مصر فى مجال حماية البيئة؛ ومن ثم اتجه التفكير إلى إصدار‬             ‫تغير المناخ يوجب علينا أن نحافظ على المال بكل أجناسه وأنواعه‪ :‬نحافظ على موارده‬
‫تشريع متكامل لحماية البيئة يضم شتات ما ورد فى التشريعات المتفرقة والمتعلقة به‪،‬‬      ‫فلا نتلفها بالسفه‪ ،‬ونستنزفها بلا ضرورة ولا حاجة معتبرة‪ ،‬ولا نحسن تنميتها ولا‬
‫مسترشداً فى ذلك بأحدث الاتجاهات التشريعية الحديثة لدى بعض الدول التى تتمتع‬          ‫صيانتها‪ ،‬فتتعرض للهلاك والضياع‪ ،‬ولا نسرف فى استخدامها‪ ،‬فنضيعها قبل الأوان‪.‬‬
‫بالخبرة فى مجال التشريعات الخاصة بالبيئة والتى تحيط بكل عناصرها وتكفل أفضل‬          ‫وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على الدين لأن‬
‫وأيسر سبل الحفاظ عليها وتنميتها وحمايتها فصدر القانون رقم ‪ 4‬لسنة ‪ 1994‬فى‬            ‫إفساد المناخ ينافى جوهر التدين الحقيقى فى جميع الأديان‪ ،‬ويناقض مهمة الإنسان‬
‫شأن حماية البيئة المعدل بالقانونين رقمى ‪ 9‬لسنة ‪ 2009‬و‪ 105‬لسنة ‪ 2015‬متضمناً‬          ‫فى الأرض‪ ،‬فجعل الله سبحانه وتعالى كل شىء فى هذا الوجود مقدرا ومقنناً‪ ،‬فكان‬
‫مائة وأربع مواد يخص منها لحماية البيئة الأرضية (المواد من‪ 19‬إلى‪ ،)33‬ولحماية‬         ‫الكون متزناً ثابتاً‪ ،‬ولم يكن توازنه عبثاً؛ فالعبث بالطبيعة والإخلال بتوازنها له نتائج‬
‫البيئة الهوائية «المواد من ‪ 34‬إلى ‪47‬مكررا(‪ ،»)1‬ولحماية البيئة المائية (المواد من‪48‬‬
‫إلى ‪83‬مكررا)‪ ،‬بالإضافة إلى باب العقوبات (المواد من‪ 84‬إلى ‪ )101‬والذى تناول فيها‬                                           ‫لعل من أوخمها هلاك النوع الإنسانى!‬
‫عقوبات مختلفة لكل من يرتكب فعلا مؤثما فى حق البيئة حتى يضمن الحفاظ عليها‬            ‫إذن لم تعد قضية تغير المناخ ونشر الوعى بها للتخفيف من حدة آثاره والتكيف معه‬
‫وحمايتها مما وصلت إليه من تدهور‪ ،‬فضلا عن خمس وستين مادة تشتمل عليها‬                 ‫مجرد قضية تتناول داخل الأروقة العلمية بين الاختصاصيين و الأكاديميين وتكتب فيها‬
‫اللائحة التنفيذية لهذا القانون وثلاثة عشر ملحقا تتضمن المعايير والمواصفات لبعض‬      ‫الأبحاث لنيل أعلى الدرجات ثم تقبر فى الأدراج؛ إن هذه القضية قد أصبحت بعد‬
‫المواد عند تصريفها فى البيئة البحرية‪ ،‬والمنشآت التى تخضع للتقييم البيئى وسجل‬        ‫التقدم التكنولوجى وعتو الإنسان وتجبره وسوء إدارته وتدبيره قضية حياة أو موت‪،‬‬
‫الحالة البيئية‪ ،‬والطيور والحيوانات البرية المحظور صيدها أو قتلها أو إمساكها‪،‬‬        ‫نكون أو لا نكون؛ ومن هنا ظهرت الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية ومنها اتفاقية الأمم‬
‫والحدود القصوى لملوثات الهواء الخارجى‪ ،‬والحدود المسموح بها لملوثات الهواء فى‬        ‫المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الموقعة فى نيويورك بتاريخ ‪ ،1992/5/9‬والتى وافقت‬
                                                                                    ‫عليها مصر بموجب القرار الجمهورى رقم ‪ 386‬لسنة ‪ 1994‬والمعمول بها اعتبارا من‬
                                                                                    ‫‪ 1995/3/5‬والمنشورة فى الجريدة الرسمية فى ‪ ،2007/2/15‬وبروتوكول كيوتو الملحق‬
                                                                                    ‫بها والموقع فى كيوتو بتاريخ ‪ 1997/12/11‬والتى وافقت عليها مصر بموجب القرار‬

                                                                                                                                                            ‫يناير ‪2025‬‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73