Page 89 - merit 50
P. 89

‫نون النسوة ‪8 7‬‬                                      ‫هناك فارق بينهما‪ .‬على أنه من جماليات هذه القصة‬
                                                        ‫أنها تسبح في مساحة أكثر رحابة من الفنتازيا‬
  ‫منه دائ ًما‪ ،‬وبرغم ذلك يبقى الإنسان عني ًدا بحسب‬
      ‫رؤية القص ومنطقه‪ ،‬فيظل النموذج الإنساني‬        ‫حرية التخييل‪ ،‬وتنطوي على تحولات جوهرية من‬
                                                    ‫حال إلى أخرى‪ ،‬فنجد على سبيل التمثيل التحول في‬
    ‫المسرود عنه في هذه القصص متمس ًكا بالمقاومة‬       ‫مشهد البداية من لحظات استقبال المساء الصيفي‬
     ‫والصمود ومواجهة الخطر‪ ،‬وباحثًا عن التحقق‬       ‫في جلسة الهواء بعد ترطيب المكان بالماء والاستعداد‬
  ‫والقوة سواء بالسبيل البدائية بأن يحارب الثعبان‬
   ‫الضخم بكل ما يملك من أسلحة بدائية أو بأفكار‬          ‫للسهرة الجميلة فتتحول بعدها مباشرة إلى هذا‬
     ‫كحفر خندق أو بالحيل والعلم والتحقق كما في‬        ‫الوافد الذي يعكر الصورة الحضارية ومشاهدها‬
‫قصص أخرى يكون فيها السبيل إلى القوة بالدراسة‬
   ‫والمقاومة ومحاولة الوصول إلى منصب‪ .‬ليتشكل‬             ‫الحاضرة والمتوقعة وتنقلب القرية رأ ًسا لعقب‬
   ‫لدينا سرد مهم وكاشف وثري على مستوى لغته‬           ‫وتنخرط في حرب وقتال يشارك فيه الجميع حتى‬
‫وتتناغم عناصره كلها مع بعضها وبخاصة في اللغة‬
 ‫التي تتجاوب مع الطاقات التخييلية وروح الفنتازيا‬       ‫الأطفال‪ ،‬وهو ما يؤكد أن القص إنما كان يشكل‬
 ‫والعجائبية وتستجيب لوثباتهما الرشيقة في فضاء‬       ‫صرا ًعا أصي ًل وليس عاب ًرا‪ ،‬ذلك لأنه صراع وجود‪،‬‬
 ‫المعنى‪ ،‬وليتشكل سرد سريالي دال ومحمل بأسئلة‬
   ‫كثيرة وقضايا مختلفة‪ ،‬ولذا فهو جدير بالدراسة‬       ‫أقرب لصراع الحيوانات في الغابة أو صراع البقاء‬
                                                              ‫الذي يقع بين كائنات الغابة وحيواناتها‪.‬‬
                                ‫والقراءة والبحث‬
                                                       ‫ومن الطريف في قصص هذه المجموعة أنها عبر‬
                                                     ‫الفنتازيا والغرائبية قد تماست ولمست نقاط التقاء‬
                                                    ‫الإنسانية بجذور الحيوانية المتأصلة فيهم‪ ،‬وربطت‬
                                                      ‫بين الإنساني والحيواني على نحو يتسم بالإيحاء‬
                                                     ‫وغير المباشرة والبعد عن النزعة الإنشائية‪ ،‬بل كل‬

                                                        ‫هذا مما يمكن أن يستشفه القارئ أو يصل إليه‬
                                                       ‫عبر التأويل وإعمال العقل وتأمل البنية الدرامية‬
                                                    ‫ومسار الأحداث وعلامات الخطاب القصصي كافة‪،‬‬
                                                     ‫ولذلك فإن هناك حضو ًرا طاغيًا لأسماء الحيوانات‬
                                                    ‫وأفعالها‪ ،‬ما بين طيور وحشرات وزواحف وغيرها‬
                                                        ‫وكلها تلتقي في مساحة من العنف أو الوحشية‬

                                                         ‫أحيا ًنا‪ ،‬والحقيقة أنها بقدر ما تبدو كاشفة عن‬
                                                      ‫الوحشية الكامنة لدى الإنسان فهي كذلك كاشفة‬

                                                           ‫عن الطبيعة الإنسانية المهددة بشكل دائم أو‬
                                                      ‫المعرضة للخطر في كل الأوقات‪ ،‬وبرغم الحضارة‬

                                                               ‫التي يبدو الإنسان غار ًقا فيها لكنه يظل‬
                                                                      ‫مهد ًدا ومعر ًضا للخطر ومحا ًطا‬
                                                                        ‫بمصادر الخوف في كل وقت‬
                                                                           ‫وفي كل حركة‪ .‬وهكذا تتم‬
                                                                              ‫مقاربة الموت على نحو‬
                                                                             ‫مختلف في قصص هذه‬
                                                                                ‫المجموعة‪ ،‬حيث يبدو‬
                                                                            ‫ساكنًا داخل الإنسان من‬
                                                                             ‫يوم ميلاده ويبدو قريبًا‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94