Page 270 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 270
العـدد 32 268
أغسطس ٢٠٢1
الرابع قبل الميلاد ،فشهد في القديم ،ولكنا اليوم إزاء ثورة على شديد ،بينما أزمات التاريخ عادة
جمهور المسرح صورة مصغرة القديم عارمة .ثورة ترى الاستغناء تكون إيذا ًنا بصعود إلى أعلى أو
من التحلل الذي بدأ يدب في كيان بتقدم ،فإن الفن اجتاز أزمة ما
الأمة اليونانية ،وهؤلاء شعراء نهائيًّا عن كل صور الفن السابقة بعد عصر النهضة بخير إلى أحسن
المسرح ،أو معلمو الشباب كما لأنها صور وجدت تحت ظروف
يسميهم ،بدءوا يتملقون شعور وإلى أفضل ،ولم تكن السنين
الجماهير بما يقدمون إليهم من مختلفة كل الاختلاف وفي ظل العجاف التي مرت به سنوات
نكات سمجة وموضوعات سهلة مفاهيم تغيرت كل التغيير .لقد مرض ..لقد كانت سنوات مخاض
والجمهور يقبل ،والأدب الرخيص اختلف الزمان والمكان والأداة أليم .انتهى بولادة جديدة مبشرة.
يؤلف في سرعة ،وعوامل الإفساد اختلافات جذرية ولم يعد من إن أزمات الفن عادة مخاض ولادة
الممكن أن يتخذ القديم مث ًل بوحي
والانحلال تقوى وتشتد. أو يحتذى بأية صورة من الصور. وليست تقلصات موت.
وقد نظر أرستوفان في أدب وإذا كان المفكرون والنقاد قد إن التاريخ لا يعرف تغيي ًرا إلى
الشاعر الجديد وقتئذ «أوريبيد» استطاعوا أن يهدموا نهائيًّا نظرية الفن .ولا بد من وجود عنصر
فلم يجد في فنه الجديد جما ًل على الناقد الفرنسي (تين) التي زعم الإكمال أو الاستمرار مع القديم.
ما فيه من روعة ،وكل ما أحسه فيها أن الآداب والفنون تخضع هذا هو شأن التاريخ عامة أو شأن
الشاعر هو أن هذا الجديد عامل الزمان في مفهومه الفلسفي .ولذلك
قوي فيما أصاب الأثينيين في وتتشكل تب ًعا للجنس والبيئة فإن أزمة الفن في عصرنا هذا هي
خلقهم ،فليصب جام غضبه على والعصر وتتخذ طابعها المميز وفقا كيف يستمر طبيعيًّا في الاستكمال
هذا الشاعر لأنه رمز التجديد ،بل أو الاستمرار وسط هذه التغيرات
هو في نظره رمز الإفساد باسم لهذه العناصر الثلاثة ،فإنهم لم الجذرية العنيفة؟ ليست أزمة الفن
التجديد ،وراح يؤلف المسرحية يستطيعوا ذلك إلا بفضل نظرية فيما يمكن أن يجيب عن سؤالنا:
تتلوها الأخرى ،كلها في نقد هذا تقول إن أهم عامل يشكل الإنسان ماذا بعد؟ ولكن الأزمة الحقة في
الشاعر والحط من مركزه .ولكن ويتحكم فيه وفي نشاطه وتذوقه الإجابة عن السؤال ماذا يجري
النتيجة التي يعرفها كل قارئ الفني إنما هي الثقافة ،حتى ليبدي الآن؟ ماعلاقة الحالي بما سبق؟
لتاريخ أي أدب من الآداب هو أن معظم المفكرين اليوم أن الثقافة وإلام سيؤدي هذا الحالي؟ بصرف
الجديد يخلد بجدته ،وأن الجديد النظر عن الخطوة القريبة السابقة.
وإن يكن عام ًل من عوامل الإفساد هي التي تخلق الإنسان وتميز إننا لا نريد أن نعرف ماذا سيأتي
هو صورة للواقع الذي لا نستطيع إنسا ًنا عن آخر وتتحكم في تذوقه بقدر ما نريد أن نعرف ماذا يحدث
أن نبرأ منه .فإن تكن مسرحيات في ظل ما قد كان وما يمكن أن
أوريبيد في نظر أرستوفان قد الفني. نتصور أنه سيكون ،الآن هو
أفسدت ال ُخلق الأثيني فلقد نفثت كما وضع الأستاذ توفيق الحكيم مشكلتنا وليس المستقبل ..إن الفن
فيه من قوة الشخصية وحب لا بد أن يكون من نتاج عصره
الحقيقة ما لم يكن لمثل أرستوفان يده على سر التأخر في تقدم معب ًرا عن عبقرية منتجة أو خالقة
أن يقدره ،وليس المجد الحربي أو الأمم ،وإنه لا إهمال الفكر ولا الفردية مهما حملت هذه الفردية
السياسي هو المقياس الذي تقاس مشكلة الاقتصاد ،ولكن في بقاء في طياتها من السمات العامة .إن
به حضارة الأمة .فلئن ضعفت ال ُخل ُق تاب ًعا للتقاليد القديمة التي الجدة والابتكار مطلبان أساسيان
أثينا سياسيًّا في هذا القرن ،فلقد جرى بها العرف ولم يجيء أحد في الفن ،وكانت الجدة في عصور
بلغت في الحضارة أوجها في نفس كـ»ديكارت» يلقي الشك على سابقة تكتفي بأن تكون جدة في
صلاحيتها؛ لم يجيء أحد يحدث الأسلوب ،جدة في طريقة العرض،
هذا القرن ثورة في مبادئ الخلق؛ كما حدثت لذلك كانت جدة دالة على استمرار
الثورة في العلم.
ولنضرب مث ًل أقدم من الثورة
العلمية وأشبه بما نعانيه اليوم..
هذا أرستوفان عاش في أثينا
أواخر القرن الخامس وأوائل