Page 291 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 291

‫‪289‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رأى‬

    ‫المأساوية التي عاشتها الأمة‬                 ‫حساب المصلحة العامة‪.‬‬        ‫ويقع الخبر كالصاعقة على رأس‬
  ‫الجزائرية في السنوات البعيدة‪.‬‬           ‫أدرج الروائي نماذج تؤكد على‬          ‫والدهما عبد القادر الركراكي‬
                                                                              ‫(الشخصية الرئيسة في رواية‬
       ‫فالروائي الجزائري اليوم‬              ‫تلك الظاهرة‪ ،‬منها شخصية‬            ‫زوج بغال)‪ ،‬إذ يعبر عن ذلك‬
   ‫يستشعر تلك الأحداث‪ ،‬ويقوم‬                 ‫صفوان الذي كان يتعرض‬
                                        ‫للمضايقات ثم تم اغتياله‪« :‬كان‬       ‫بحرقة‪« :‬يا إلهي أرى جسديهما‬
     ‫بتوظيفها في منجزه الروائي‬           ‫صفوان ضاب ًطا في الجمارك في‬         ‫محترقين ومفرغين من اللحم‪..‬‬
   ‫توظي ًفا فنيًّا جماليًّا‪ ،‬كاستعارة‬      ‫ميناء عنابة‪ ،‬ونظ ًرا لمضايقته‬   ‫حاولت الاقتراب منهما‪ ..‬وحاولت‬
                                        ‫بعض رؤسائه في العمل‪ ،‬أصبح‬
      ‫كبرى يلامس فيها الواقع‪.‬‬             ‫مصد ًرا غير مرغوب فيه‪ ،‬فتم‬            ‫الإمساك بيديهما ومداعبتها‬
   ‫ويحلق في سماء المتخيل‪ ،‬وهو‬             ‫إبعاده من خلال نقله إلى ميناء‬         ‫بحنو‪ ،‬بيدي اليمنى أمسكت‬
 ‫أصل الممارسة الإبداعية الحديثة‬        ‫سكيكدة‪ ..‬بعد ثلاث سنوات حول‬            ‫يد عبد اللطيف‪ ،‬وبيدي الثانية‬
 ‫والمعاصرة‪ .‬فقد أصبحت الكتابة‬              ‫إلى المديرية الجهوية للجمارك‬        ‫شددت برفق على يد إدريس‪،‬‬
    ‫الإبداعية اليوم لا تتعامل مع‬         ‫بالعاصمة‪ ..‬ولما رفض الصمت‬         ‫بدت يداهما مختلفتين عليَّ‪ ،‬غالبت‬
 ‫الحقائق بشكل تقريري مباشر‪،‬‬                ‫عن قضية فساد كبيرة تورط‬         ‫دموعي ووجعي‪ ،‬أحسست فجأة‬
  ‫بل تجعل للنص سطوة خاصة‬                     ‫فيها مسؤولون نافذون في‬        ‫أنني أقبض على الفراغ‪ ..‬اكتشفت‬
 ‫يفرضها على القارئ وإغراقه في‬                                                  ‫أنهما استحالا إلى رماد»(‪.)7‬‬
‫الفضاءات اللامتناهية من التأويل‬                 ‫الحكم‪ ،‬فتمت معاقبته»‪.‬‬           ‫هكذا كانت فواجع العشرية‬
                                          ‫إن الأنانية وحب المال يجعلان‬
                     ‫والتساؤل‬           ‫صاحبهما عب ًدا لرغباته‪ ،‬لإرضاء‬             ‫السوداء في الجزائر‪ ،‬كما‬
                                           ‫غرائزه الحيوانية‪ ،‬كشخصية‬             ‫وصفها الروائي بلكبير‪ ،‬من‬
       ‫المصادر والمراجع‪:‬‬                  ‫(بشير ميزيغاش) التي وظفها‬            ‫خلال هاتين الروايتين‪ ،‬ومما‬
                                          ‫الروائي‪ ،‬استغل بشير منصبه‬          ‫لا شك فيه أن لكل أزمة تبعات‬
   ‫‪ -1‬بومدين بلكبير‪ ،‬خرافة الرجل‬        ‫واليًا على إحدى المدن الجزائرية؛‬   ‫خطيرة‪ ،‬فقد أفرزت تلك الظروف‬
       ‫القوي‪ ،‬منشورات الاختلاف‪،‬‬         ‫فكان من ضحاياه (سلوى) التي‬           ‫ظاهرة الفساد‪ ،‬بخاصة الفساد‬
      ‫الجزائر‪ /‬منشورات الضفاف‪،‬‬            ‫اعتدى عليها بصورة وحشية‪،‬‬               ‫الأخلاقي‪ ،‬وغياب الضمير‬
       ‫بيروت‪ /‬ط‪ ،2016 ،1‬ص‪.17‬‬              ‫ويكمل حياته ُمقع ًدا عاج ًزا عن‬      ‫الإنساني عند بعض الأفراد‪،‬‬
                                                                              ‫وتقديم المصلحة الخاصة على‬
  ‫‪ -2‬المصدر نفسه‪ ،‬صص‪.74 ،73‬‬                                   ‫الحركة‪.‬‬
         ‫‪ -3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.74‬‬                ‫الإرهاب باختلاف مشاربه‬
                                         ‫ووسائله هو قتل للفرح وإعدام‬
    ‫‪ -4‬عبد الوهاب المسيري‪ ،‬فتحي‬
  ‫التريكي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪،‬‬                         ‫للإنسانية‪.‬‬
                                              ‫تمكن الروائي من توظيف‬
       ‫دار العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬       ‫ثنائية الإرهاب والموت في هاتين‬
     ‫الجزائر‪ ،‬ط‪ ،2012 ،2‬ص‪.232‬‬               ‫الروايتين‪ ،‬وتجسيده للأزمة‬
     ‫‪ -5‬بومدين بلكبير‪ ،‬زوج بغال‪،‬‬         ‫الجزائرية الواقعة في تسعينيات‬
     ‫منشورات الاختلاف‪ ،‬الجزائر‪/‬‬        ‫القرن الماضي‪ ،‬وتبعاتها المأساوية‬
   ‫منشورات الضفاف‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬           ‫على الصعيد النفسي والأخلاقي‬
                                               ‫والاجتماعي والسياسي‪.‬‬
                    ‫‪ ،2018‬ص‪.19‬‬           ‫نستخلص في الأخير أن الرواية‬
         ‫‪ .6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.195‬‬             ‫الجزائرية المعاصرة‪ ،‬لا تزال‬
       ‫‪ .7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.203‬‬          ‫متأثرة بالأحداث الدامية والوقائع‬
   ‫‪ .8‬بومدين بلكبير‪ ،‬خرافة الرجل‬

                   ‫القوي‪ ،‬ص‪.106‬‬
   286   287   288   289   290   291   292