Page 290 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 290

‫العـدد ‪32‬‬                        ‫‪288‬‬

                                  ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

                      ‫الإرهاب‪.‬‬    ‫الثمانينيات جعل البلاد تدخل في‬         ‫صوتنا المخنوق‪ ..‬كتب صالح‬
  ‫يصور الروائي نماذج من ذلك‪،‬‬        ‫بحر من الدماء في التسعينيات‪،‬‬          ‫قبل رحيله رواية اختار لها‬
  ‫حيث تعترف إحدى شخصياته‬
   ‫الروائية بانضمامها إلى إحدى‬         ‫وكان الموت يحصد الأرواح‬          ‫عنوان «الانتحار!!»‪ ،‬ولم ُيكتب‬
  ‫المنظمات الإرهابية‪ ،‬وقد سبقها‬     ‫بشكل وحشي‪ ،‬و»الإرهاب في‪..‬‬        ‫لها أن تطبع‪ ،‬لكنه في سنة ‪1989‬‬
 ‫إلى ذلك زوجها (إدريس)‪ ،‬والتي‬
                                       ‫هو أقصى تمظهرات العنف‬              ‫ميلادية‪ ،‬اختار نهاية أخرى‬
      ‫كانت التقته في «ابن غردان‬     ‫والموت‪ ،‬لا يعترف بالحياة ح ًّقا‬       ‫لروايته تلك‪ ،‬أكملها بصورة‬
       ‫التونسية‪ ،‬بعد أن قدم من‬    ‫عند الآخر»(‪ ،)4‬وكما أن يتعرض‬           ‫تراجيدية موجعة‪ ،‬حيث رمى‬
    ‫الجنوب بطريقة غير شرعية‪،‬‬                                          ‫جسده من جسر سيدي راشد‪..‬‬
‫حيث وجدنا هناك من يرشدنا إلى‬          ‫المدني للقتل‪ ،‬العسكري أي ًضا‬        ‫وحلقت(‪ )2‬روحه في سماء‬
  ‫شخصين‪ ،‬أقمنا عندهما يومين‬           ‫والسياسي كانا أشد عرضة‬             ‫سيرتا معانقة الطيور الحرة‪.‬‬
  ‫بلياليهما‪ ،‬ثم تم نقلنا عن طريق‬  ‫لذلك‪ ،‬إذ يشير الروائي إلى حادثة‬
     ‫المسالك السرية إلى صبراتة‬    ‫اغتيال الرئيس الجزائري «محمد‬              ‫قام الروائي برصد أسماء‬
 ‫الليبية‪ ..‬ثم سلمونا إلى مجموعة‬    ‫بوضياف الذي قتل وهو رئيس‬          ‫مجموعة من المثقفين الذين آثروا‬
    ‫أخرى‪ ..‬أخذوا هواتفنا‪ ،‬وكنا‬      ‫للدولة المستقلة‪ ..‬في سبعينيات‬    ‫الانتحار على الصمت فـ»المثقفون‬
    ‫محل مراقبة مشددة‪ ..‬مررنا‬
  ‫بأوقات عصيبة‪ ،‬وعشنا مآسي‬               ‫القرن الماضي‪ ،‬أثناء إلقائه‬       ‫والشعراء هم أرواح المجتمع‬
‫وأوجا ًعا لا حصر لها‪ ،‬كنا نعامل‬      ‫خطا ًبا في قصر الثقافة بمدينة‬     ‫ونبضاته‪ ،‬هم أصوات الشعوب‬
    ‫بقسوة منقطعة النظير‪ ،‬كانوا‬                                       ‫المقهورة‪ ،‬متى حوصرت الحريات‬
‫يعزلوننا فوق بعضنا كالحيوانات‬                         ‫عنابة»(‪.)5‬‬
 ‫في مصافات‪ ،‬عشنا فيها تجارب‬        ‫لقد عبر الروائي بومدين بلكبير‬        ‫وصودرت الآراء‪ ،‬متى توقف‬
     ‫وصور مؤلمة وموجعة»(‪،)6‬‬         ‫من خلال رواية «خرافة الرجل‬           ‫النبض الحي‪ ،‬الأسباب ذاتها‬
   ‫لقي (إدريس) حتفه في تفجير‬       ‫القوي» ورواية «زوج بغال» عن‬            ‫تدفعهم للمصير ذاته‪ ،‬أتذكر‬
      ‫بمقهى في مراكش المغربية‪،‬‬     ‫تلك الوقائع المأساوية حيث كان‬         ‫تما ًما الشاعر فاروق أسميرة‬
    ‫ويلحق به أخوه عبد اللطيف‪،‬‬     ‫الجرح عمي ًقا آنذاك استهدف قتل‬          ‫الذي انتحر في جسر سيدي‬
                                                                       ‫مسيد في العام ‪ 1994‬ميلادية‪،‬‬
                                      ‫الفرح في قلوب الأثرياء‪ .‬وقد‬         ‫كما أنني لا أقوى على مجرد‬
                                     ‫انضم في تلك الفترة مئات من‬       ‫التفكير في الشاعرة الفرانكفونية‬
                                   ‫الشباب المغرر بهم إلى المنظمات‬      ‫والصحفية البارزة صافية كتو‬

                                         ‫المتطرفة التي كان يغذيها‬          ‫التي اختارت جسر تيليملي‬
                                                                                              ‫بوسط‬

                                                                                       ‫العاصمة ذات‬
                                                                                           ‫شتاء من‬

                                                                                         ‫العام ‪1989‬‬
                                                                                        ‫ميلادية(‪.)3‬‬
                                                                                         ‫الضغوطات‬

                                                                                           ‫السياسية‬
                                                                                        ‫والاجتماعية‬
                                                                                         ‫التي عرفها‬
                                                                                         ‫الجزائريون‬
                                                                                        ‫منذ الاحتلال‬
                                                                                        ‫الفرنسي إلى‬
                                                                                         ‫غاية أواخر‬
   285   286   287   288   289   290   291   292