Page 145 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 145

‫حول العالم ‪1 4 3‬‬

                                  ‫بهجة سرية‬

     ‫لم أكن أحيا‪ ،‬كنت أسبح‬           ‫بصخب‪ .‬كيف لهذه الفتاة‬                ‫كانت بدينة‪ ،‬وقصيرة‪،‬‬
‫برفق في بحر رقيق‪ ،‬تحملني‬              ‫أن تكرهنا‪ ،‬نحن من ك َّن‬        ‫ومنمشة البشرة‪ ،‬ولها شعر‬
                                      ‫جميلات بنحو لا ُيغتفر‪،‬‬        ‫يميل إلى الحمرة ومجعد ج ًّدا‪.‬‬
         ‫الأمواج وتهبط بي‪.‬‬           ‫رشيقات‪ ،‬وطويلات‪ ،‬ولنا‬            ‫كان لها صدر ضخم‪ ،‬بينما‬
    ‫ذهبت في اليوم التالي إلى‬                                        ‫بقيتنا ذوات صدور مسطحة‪.‬‬
 ‫منزلها‪ ،‬حرفيًّا؛ كنت أركض‪.‬‬         ‫شعر منسدل‪ .‬لقد مارست‬             ‫وكما لو كان هذا غير كاف‪،‬‬
     ‫هي لا تسكن أعلى متجر‬         ‫ساديتها عليَّ بوحشية هادئة‪.‬‬        ‫فقد كانت تملأ جيبا بلوزتها‬
   ‫مثلي‪ ،‬بل في بيت كامل‪ .‬لم‬       ‫في شغفي بالقراءة‪ ،‬لم ألاحظ‬
  ‫تطلب مني الدخول‪ .‬ح َّدقت‬                                              ‫بالحلوى‪ .‬لكن كان لديها‬
 ‫في عيني‪ ،‬وقالت إنها أعارت‬              ‫أفعالها المذلة لي‪ :‬ظللت‬          ‫ما يتمناه أي طفل مولع‬
 ‫الكتاب لفتاة أخرى‪ ،‬وعليَّ أن‬     ‫أتوسل لها أن تعيرني الكتب‬          ‫بالحكايات‪ :‬أب يملك مكتبة‪.‬‬
  ‫أعود في اليوم التالي‪ .‬وفمي‬                                             ‫استفادت قلي ًل من ذلك‪.‬‬
   ‫فاغر من الدهشة‪ ،‬غادرت‬                       ‫التي لا تقرأها‪.‬‬         ‫ونحن بقدر أقل‪ :‬فحتى في‬
  ‫ببطء‪ ،‬لكن بعد برهة غلبني‬         ‫حتى جاء اليوم المشهود لها‬          ‫أعياد الميلاد‪ ،‬بد ًل من كتاب‬
 ‫الأمل مرة أخرى‪ ،‬وبدأت في‬                                           ‫صغير رخيص‪ ،‬كانت تهدينا‬
  ‫الرجوع بظهري في الشارع‬             ‫لتبدأ في ممارسة نوع من‬              ‫بطاقة من متجر والدها‪.‬‬
‫وأنا أثب‪ ،‬وتلك كانت طريقتي‬         ‫التعذيب الصيني معي‪ .‬فكما‬           ‫والأسوأ‪ ،‬أنها بطاقة تصور‬
‫الغريبة في التحرك في شوارع‬         ‫لو بشكل عابر‪ ،‬تخبرني أن‬          ‫مدينة ريسيفي نفسها‪ ،‬حيث‬
  ‫ريسيفي‪ .‬هذه المرة لم أقع‪:‬‬                                            ‫كنا نعيش‪ ،‬وفيها الجسور‬
‫فالوعد بالكتاب دلني‪ ،‬سيأتي‬          ‫لديها مغامرات ذات الأنف‬            ‫التي رأيناها ما لا ُيحصى‬
    ‫اليوم التالي‪ ،‬الأيام التالية‬  ‫الأفطس‪ ،‬من تأليف مونتيرو‬          ‫من المرات‪ .‬على ظهر البطاقة‪،‬‬
     ‫ستصبح‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬هي‬                                              ‫كانت تكتب‪ ،‬بخط مستدير‬
 ‫بقية حياتي‪ ،‬محبة العالم في‬                           ‫لوباتو‪.‬‬            ‫متقن‪ ،‬كلمات مثل «عيد‬
   ‫انتظاري‪ ،‬مضيت أثب عبر‬             ‫كان كتا ًبا كبي ًرا‪ ،‬يا إلهي‪،‬‬
   ‫الشوارع كالعادة ولم أقع‬        ‫إنه كتاب يمكنك العيش معه‪،‬‬                 ‫ميلاد» أو «أفتقد ِك»‪.‬‬
                                   ‫أن تتناوله‪ ،‬وتنام به‪ .‬وبعيد‬      ‫ولكن يا لموهبتها في القسوة‪.‬‬
            ‫ولو مرة واحدة‪.‬‬
        ‫لكن الأمور لا تنتهي‬            ‫تما ًما عن إمكانياتي من‬            ‫كانت عبارة عن انتقام‬
                                    ‫الحصول عليه‪ .‬طلبت مني‬                ‫مصفى‪ ،‬تمتص حلواها‬
                                   ‫أن أنتظر جوار منزلها اليوم‬
                                   ‫التالي‪ ،‬وسوف تعيرني إياه‪.‬‬
                                  ‫حتى مجيء اليوم التالي‪ ،‬فقد‬
                                  ‫تحولت إلى بهجة الأمل ذاتها‪:‬‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150