Page 146 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 146

‫العـدد ‪34‬‬                              ‫‪144‬‬

                                ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬                         ‫ببساطة هكذا‪ ،‬فقد كانت‬
                                                                    ‫الخطة السرية لابنة بائع‬
  ‫بكلمة‪ .‬أخذت الكتاب‪ .‬لا‪ ،‬لم‬    ‫أمها‪ .‬لا بد وأنها تتساءل عن‬          ‫الكتب هادئة وشيطانية‪.‬‬
   ‫أعد وثبًا بظهري كعادتي‪،‬‬        ‫الحضور الصامت اليومي‬             ‫في اليوم التالي‪ ،‬وقفت عند‬
   ‫مشيت بهدوء شديد‪ .‬أعلم‬                                         ‫الباب الأمامي‪ ،‬وعلى وجهي‬
                                ‫لهذه الفتاة عند مدخل البيت‪.‬‬       ‫ابتسامة وقلبي يخفق‪ .‬فقط‬
     ‫أنني أحمل كتا ًبا ضخ ًما‬       ‫طلبت منَّا تفسي ًرا‪ .‬كانت‬   ‫لأسمع ردها الهادئ‪« :‬الكتاب‬
       ‫بكلتا يدي‪ ،‬أضمه إلى‬                                         ‫لم يعد بعد‪ ،‬علي ِك أن تأتي‬
                                ‫هناك جلبة صامتة‪ ،‬قاطعتها‬          ‫في اليوم التالي»‪ .‬سرعان ما‬
 ‫صدري‪ .‬بالنسبة للمدة التي‬        ‫بعض كلمات غير واضحة‪.‬‬            ‫عرفت كيف أن دراما «اليوم‬
‫سأستغرقها عائدة إلى منزلي‪،‬‬        ‫وجدت السيدة الأمر غريبًا‬         ‫التالي» معها‪ ،‬ستبقى تكرر‬
 ‫فهذا لم يكن يهم أي ًضا‪ .‬كان‬      ‫ويزداد غرابة حتى أنها لم‬       ‫نفسها‪ ،‬على مدار حياتي‪ ،‬مع‬
‫صدري دافئًا‪ ،‬وقلبي رصينًا‪.‬‬      ‫تفهم شيئًا‪ .‬إلى أن فهمت تلك‬
                                                                          ‫تكرار دقات قلبي‪.‬‬
    ‫عندما عدت إلى المنزل‪ ،‬لم‬       ‫الأم الطيبة‪ .‬استدارت إلى‬        ‫وهكذا سار الأمر‪ .‬لكم من‬
  ‫أشرع في القراءة‪ ،‬تظاهرت‬       ‫ابنتها‪ ،‬صارخة بشدة‪« :‬لكن‬          ‫الوقت؟ لا أعلم‪ .‬كانت تعلم‬
  ‫بأني لا أحوز الكتاب‪ ،‬فقط‬        ‫هذا الكتاب لم يغادر المنزل‬        ‫أنه سيطول إلى زمن غير‬
   ‫بعد فترة يمكنني الشعور‬       ‫أب ًدا‪ ،‬وأنت حتى لم ترغبي في‬    ‫محدد‪ ،‬حتى يتخلص جسدها‬
    ‫بصدمة حيازته‪ .‬بعد عدة‬                                          ‫السميك من عصارة النكد‬
   ‫ساعات فتحته‪ ،‬قرأت عدة‬                          ‫قراءته!»‪.‬‬     ‫الصفراء‪ .‬كنت قد عرفت أنها‬
                                 ‫والأمر الأسوأ بالنسبة لتلك‬      ‫اختارتني أنا لأعاني‪ ،‬أحيا ًنا‬
      ‫أسطر مدهشة‪ ،‬أغلقته‪،‬‬        ‫المرأة أنها لم تكن تدري بما‬       ‫أعرف بعض الأمور‪ .‬لكن‪،‬‬
 ‫وتجولت في المنزل‪ ،‬وماطلت‬                                       ‫بالفهم الفعلي للأشياء‪ ،‬أتقبَّلها‬
                                  ‫يحدث‪ .‬لا بد وأنه الإدراك‬         ‫أحيا ًنا‪ :‬كما لو أن َمن يريد‬
    ‫أكثر بتناول بعض الخبز‬       ‫المرعب لطبيعة ابنتها‪ .‬نظرت‬       ‫أن يجعلني أعاني يحتاج أن‬
     ‫والزبد‪ ،‬تظاهرت أني لا‬
  ‫أعرف أين وضعت الكتاب‪،‬‬            ‫إلينا في صمت‪ :‬قدر ما في‬                           ‫أعاني‪.‬‬
     ‫أعثر عليه‪ ،‬أفتحه لثوا ٍن‬   ‫ابنتها من فساد لم تكن تعلم‬           ‫إلى متى؟ كنت أذهب إلى‬
     ‫معدودات‪ .‬وبقيت أبتكر‬                                         ‫منزلها يوميًّا‪ ،‬لا أفوت يو ًما‬
    ‫أكثر العقبات إبدا ًعا لذلك‬      ‫به‪ ،‬وتلك الفتاة الشقراء‬        ‫واح ًدا‪ .‬أحيا ًنا قد تقول لي‪:‬‬
    ‫الشيء السري الذي كان‬          ‫الواقفة عند الباب‪ ،‬مجهدة‪،‬‬      ‫«حسنًا‪ ،‬لقد كان الكتاب لد َّي‬
  ‫بهجة‪ .‬ستظل البهجة دو ًما‬       ‫تأتي عبر شوارع ريسيفي‬           ‫أمس ظهرا‪ ،‬لكنك لم تأ ِت إلا‬
     ‫سرية بالنسبة لي‪ ،‬لا بد‬      ‫العاصفة بالرياح‪ .‬كان ذلك‬         ‫هذا الصباح‪ ،‬لذا‪ ،‬فقد أعرته‬
‫وأنني أدركت ذلك‪ .‬أوه‪ ،‬كيف‬         ‫عندما قالت لابنتها‪ ،‬بعدما‬       ‫لفتاة أخرى»‪ .‬وأنا‪ ،‬التي لا‬
  ‫قضيت وقتي؟! إنني أعيش‬                                            ‫تكون هناك هالات سوداء‬
 ‫بين السحب‪ ..‬كان ثمة فخر‬           ‫استعادت رباطة جأشها‪،‬‬            ‫حول عينيها‪ ،‬شعرت بتلك‬
    ‫وخجل داخلي‪ .‬كنت ملكة‬           ‫بحزم وهدوء‪« :‬ستعيرين‬         ‫الهالات السوداء عميقة تحت‬
                                ‫هذا الكتاب الآن»‪ .‬وقالت لي‪:‬‬
                    ‫مرهفة‪.‬‬      ‫«بمقدورك إبقاء الكتاب بقدر‬                 ‫عيوني المندهشة‪.‬‬
‫كنت أجلس أحيا ًنا في السرير‬        ‫ما تحبين‪ ،‬هل تفهمين؟»‪.‬‬       ‫حتى كان يوم‪ ،‬حين كنت عند‬
                                 ‫لقد كان لذلك قيمة أكثر من‬
  ‫المتأرجح‪ ،‬أتأرجح والكتاب‬         ‫إعطائي الكتاب‪« :‬بقدر ما‬         ‫مدخل بيتها‪ ،‬أستمع بأدب‬
 ‫مفتوح في حجري‪ ،‬لا ألمسه‪،‬‬         ‫أحب»‪ ،‬فلا يجرؤ شخص‪،‬‬             ‫وهدوء إلى رفضها‪ ،‬ظهرت‬
‫في حال من النشوة الخالصة‪.‬‬          ‫كبي ًرا أو صغي ًرا‪ ،‬أن يأمل‬

   ‫لم أكن فتاة مع كتاب‪ :‬بل‬                   ‫أكثر من ذلك‪.‬‬
  ‫كنت امرأة بصحبة حبيبها‬        ‫كيف يمكنني شرح ما حدث‬

                                   ‫لاح ًقا؟ لقد أذهلني الأمر‪،‬‬
                                   ‫وأحببت مجرد أن الكتاب‬
                                ‫بين يدي‪ .‬لا أظن أنني نطقت‬
   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151