Page 38 - merit 53
P. 38
العـدد 53 36
مايو ٢٠٢3
وهكذا الحا ُل مع سي ِر الشخصيا ِت ال ّرمزي ِة سير َّي ًة تأسيسيَّ ًة كسيرة «النَّوادر ال ّسلطانيَّة
المقدس ِة .وبالتالي ،فإن الظهو َر التاريخ ّي للسير ِة والمحاسن اليوسفيَّة» عن صلاح ال ِّدين الأ ُّيوبي
(589ه) لابن ش َّداد (632ه) التي عبَّرت عن
الذاتي ِة سيأتي متأ ِّخ ًرا ،ل َيع ُب َر القرو َن الأولى لما أيديولوجيا الدولة الأيوبية ،وكسيرة «السيف
بعد الميلا ِد ،حيث تظهر أوائ ُل السير ِة الذاتي ِة
عند ال ُّروما ِن ،وتحدي ًدا مع شخصي ٍة سياسي ٍة المهند في سيرة الملك المؤ َّيد» عن ال ُّسلطان ال َّشيخ
المحمودي (824ه) ،وسيرة «ال َّروض ال َّزاهر»
هو الإمبراطو ُر ماركوس أوريليوس (180م)، عن الملك ال َّظاهر ططر (824ه) لبدر الدين
وتحدي ًدا خام َس الأباطر ِة ،الذي كت َب سير ًة
العيني (855ه) اللتين عبَّرتا عن أيديولوجيا
ذاتي ًة بعنوا ِن «التأ ُّملات» أو «إلى نفسي» ،لكنه الدولة المملوكية.
ما كان ل َيك ُت َب سير َته لو لم يكن فيلسو ًفا وهذا الا ِّتساع الكبير لكتابة ال ِّسيرة يد ُّل على
مدى انتشاره العالمي ،ويكشف عن مدى شغ ِف
رواقيًّا ،منحته ال ّرواقي ُة حكم َة التأم ِل الذاتي المجتمعا ِت بسي ِر الآخرين وقص ِص حيا ِتهم،
في النف ِس البشري ِة والطبيع ِة ،للسعي من أج ِل االل ََّّششغك ُِلفالهنَّوظيأ ِرحا ُدلماقلابع ِولالملل ِّساليمره ِة َّماِةل،غأيير َّيًضِةا،وفهيو
السيطر ِة على النواز ِع النفسي ِة ،واهتداء العق ِل وهذا
إنتا ِج
للانسجا ِم مع الطبيع ِة لتحقي ِق ال ّسعاد ِة. ال ِّسير ُة ال َّذاتيَّ ُة.
ومن المفارق ِة ،بين سيرتي كلكامش إ َّنها ق َّص ُة المر ِء عن ذات ِه ،يكتبها بنفس ِه .فهل
لدينا ن ٌّص قدي ٌم ِب ِق َد ِم ملحم ِة كلكامش يمكن أن
وأوريليوس ،أن كليهما كان َت َسل ُسلُ ُه الخام َس نع َّده سير ًة ذاتيّ ًة؟ أم أ َّنها شك ٌل ِسير ٌّي متأ ِّخ ُر
بين الحكا ِم ،وأن ملحم َة كلكامش تتكون من ال ُّظهو ِر؟ وماذا لو تساءلنا هكذا :ماذا لو أ َّن
12لو ًحا ،وتأملات أوريليوس من 12جز ًءا. كلكامش كتب سير َته بنفس ِه ،هل سيروي
وكان كلكامش يبحث عن الخلو ِد ،فيما كان ق َّص َة حيات ِه هكذا ،أو ق َّص َة مغامرت ِه في البح ِث
أوروليوس يبحث عن السعاد ِة .فهل َي َأ َس عن عشب ِة الخلو ِد هكذا ،يقوم بأفعا ٍل خارق ٍة
الأخي ُر من الخلو ِد وأدرك أن مصي َر الإنسا ِن حين يصار ُع الوح َش ال ّسماو َّي ُخمبابا ليقت َله،
ويواجه الآله َة ِعشتا َر؟ أم أنه سيكتب سير ًة
هو الفنا ُء ،وأن البدي َل عن الخلو ِد هو أن يحظى أكث َر واقعي ًة وليست أسطوري ًة؟
الإنسا ُن بالسعاد ِة ،فكتب سير َته الذاتي َة ،سير َة
بالتأكي ِد ،سيكتب سير ًة لن نطل َق عليها ملحم ًة،
صو ِت الإنسا ِن الواقعي وليس الأسطوري
المتشبِّه بالآله ِة؟ ومن الطري ِف ،أن نتساء َل هنا،
لكنها لن
ترو َق
للمخيا ِل
الشعبي
الذي ُيريد
لسير ِة
كلكامش
أن تكو َن
بطولي ًة
خارق ًة،
تجعله من
أنصا ِف
الآله ِة.