Page 47 - merit 53
P. 47

‫‪45‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫مزا ًجا سوداو ًّيا قات ًما َو َسم أغلب منشوراتها على‬    ‫الفيسبوكية‪ ،‬بالإضافة إلى ما ورد بمجموعة هذه‬
   ‫الفيسبوك‪ ،‬ولا تختلف هذه النصوص المدروسة‬               ‫النصوص التي سيقف عليها التحليل الآتي‪ ،‬وتقف‬
    ‫أدناه عن منشوراتها الفيسبوكية في هذا المزاج‪،‬‬
‫وتسعى لتأكيد ذلك باللوحات الفنية أو الصور التي‬               ‫عند أسئلة مهمة في البحث عن الكيفية اللازمة‬
   ‫لها المضمون ذاته‪ ،‬فكأنها تؤكد سوداوية الفكرة‬           ‫للكتابة وجدواها أي ًضا‪ ،‬إلى الحد الذي تصبح فيه‬
‫مرتين‪ ،‬ولذلك فهي كاتبة ‪-‬كما تقول في موضع من‬              ‫الكتابة عديمة الفائدة‪ ،‬تقول‪« :‬أتعلم‪ ..‬ما من شيء‬
 ‫مواضع هذه النصوص‪ -‬تكتب ذاتها لتعيد تشكيل‬
   ‫ملامحها بالحروف‪ ،‬وهي بذلك تشكل مهر ًبا لها‬               ‫يثير دهشتي؛ لا الكتب‪ ،‬لا الكتابة‪ ،‬لا وجهك‪ ،‬لا‬
                                                        ‫حضورك‪ ،‬لا غيابك؛ أنظر إلى الأشياء ولا أرى منها‬
     ‫من هذا الواقع‪ ،‬لكنها لا تسعى إلى تجميله‪ ،‬بل‬
  ‫ترصد في هذه الكتابة كل الألفاظ والصور الفنية‬                                              ‫إلا رمادها»‪.‬‬
‫والاستعارات والانزياحات المجازية والرموز لتعبر‬               ‫في هذه المق ِّدمة حول الإطار العام الذي تشكله‬
  ‫عن الوجع والهم الذاتي‪ ،‬ولذا فإن الكاتبة بدت في‬         ‫الكتابة لدى الكاتبة ياسمين كنعان بوصفها كاتبة‬
                                                        ‫تعيش على الهامش وتدحرج نفسها إلى تلك المناطق‬
    ‫هذه النصوص واقعية ج ًّدا‪ ،‬وواقعية متشائمة‪،‬‬                ‫المعتمة‪ ،‬ولا تسمح لأي ضوء أن يتسرب إلى‬
 ‫تستسلم فيها لقدرها الذي جعلته محتو ًما للوحدة‬                ‫نافذتها‪ ،‬أود الإشارة إلى ملحوظتين مهمتين‪:‬‬
                                                              ‫أو ًل‪ :‬إلى أنها تكتب نصوصها هذه وتنشرها‬
     ‫والمصير المغلق على هذه الوحدة وما تجره من‬              ‫تحت هذا الاسم المستعار‪ ،‬وكما سبق وقلت في‬
                       ‫مآ ٍس وآلام‪ ،‬وكتابة أي ًضا‪.‬‬
                                                               ‫كتابة سابقة‪ ،‬فإن اختيار المرأة الكاتبة اس ًما‬
‫وصف المدونة الأدبية للدراسة‬                               ‫مستعا ًرا تختفي خلفه هو أحد مظاهر الاضطهاد‬

  ‫تستهدف هذه القراءة دراسة مجموعة نصوص‬                      ‫المجتمعي‪ ،‬علما أن الكاتبة تعمل معلمة‪ ،‬وتحمل‬
‫وتحليلها‪ ،‬كانت قد نشرتها الكاتبة في مجلة الجديد‬           ‫درجة البكالوريوس‪ ،‬لكنها لم تستطع إلى الآن أن‬

  ‫الصادرة في لندن‪ ،‬وتعزيز هذه النصوص أحيا ًنا‬               ‫تعلن عن اسمها وصورتها وكيانها الاجتماعي‬
     ‫بالعودة إلى منشورات الكاتبة على الفيسبوك‪.‬‬            ‫والإنساني لتصاحب نصوصها المنشورة في هذه‬
                                                          ‫النصوص أو على صفحتها الخاصة في الفيسبوك‬
 ‫وجاءت هذه النصوص المنشورة في المجلة موزعة‬              ‫أي ًضا التي تنشر فيها نصوصها «للأصدقاء فقط»‪،‬‬
    ‫على خمسة عناوين في خمسة أعداد‪ ،‬وهي كما‬
                                         ‫يأتي‪:‬‬              ‫ما يعني نو ًعا من انغلاق الذات‪ ،‬وتوجسها من‬
   ‫‪ -‬غرق مركب من ورق‪ ،‬ونشر تحت باب ملف‬                    ‫المحيط العام‪ ،‬وعدم ثقتها ممن لا تعرف من رواد‬
                                                        ‫الفيسبوك‪ ،‬فقد يكونون في لحظة ما أنا ًسا مريبين‪،‬‬
  ‫التي أعدته المجلة حول فايروس كورونا‪ ،‬ونشر‬               ‫أو أنها وصلت إلى ذلك الحد الذي يجعل الآخرين‬
  ‫في العدد المزدوج ‪ 64 /63‬أبريل‪ /‬مايو ‪،2020‬‬             ‫غير المعروفين لديها؛ مجرد عابرين‪ ،‬وهذا يؤكد ما‬
                                                        ‫جاء في بعض النصوص أن الكاتبة أي ًضا غير معنية‬
      ‫وتضع الكاتبة لهذه النصوص عنوا ًنا فرعيًّا‪:‬‬
      ‫«رسائل الإقامة الجبرية»‪ ،‬ويتكون من ست‬                 ‫بالقراء خارج نطاق هؤلاء الذين منحتهم ثقتها‬
    ‫رسائل‪ ،‬كتبت بين ‪ 10‬آذار ‪ ،2020‬وحتى ‪27‬‬                   ‫فكانوا أصدقاءها الافتراضيين‪ ،‬أو ربما صدي ًقا‬
‫آذار ‪ ،2020‬وهي فترة الذروة في الحجر الصحي‬                ‫واح ًدا‪ ،‬أو حبيبًا افتراضيًّا وحي ًدا‪ ،‬أو لعله شخص‬
    ‫المفروض على العالم بسبب الخوف من عدوى‬                ‫متوهم اخترعته لحاجة الكتابة‪ ،‬فهي أحيا ًنا تبحث‬
                                                             ‫عن قارئ واحد ولا تجده‪ ،‬فتقول‪« :‬ما جدوى‬
                             ‫انتشار الفايروس‪.‬‬                ‫الكتابة إن لم يكن في الكون كله قارئ واحد؟»‬
    ‫‪ -‬المربع الأول في رقعة شطرنج‪ ،‬ونشر تحت‬
 ‫باب «قص»‪ ،‬وذو عنوان فرعي توضيحي‪« :‬فصل‬                       ‫(مجلة الجديد‪ ،‬عدد ‪ ،64 /63‬أبريل‪،2020 ،‬‬
   ‫روائي»‪ ،‬ونشر في العدد ‪ ،70‬نوفمبر‪ /‬تشرين‬                  ‫ص‪ .)117‬وأحيا ًنا ليست معنية بأي قارئ‪ ،‬فلا‬
    ‫الثاني ‪ ،2020‬وكما يبدو من النص أنه مفتتح‬
                                                                 ‫يهمها أقرأ أح ٌد تلك النصوص أم لم يقرأ؟‬
                                                              ‫وثان ًيا‪ :‬فإن الكتابة لدى هذه الكاتبة اتخذت‬
   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52