Page 56 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 56

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                        ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ثالثا‪ :‬في العلاقة بين فلسفة الكوني وخصوصية لقـد أخـذت فكـرة التعدديـة الثقافيـة البعـد الكونـي‬

‫العالمـي علـى يـد النخـب الغربيـة‪ ،‬هنـاك انتشـار‬                  ‫الثقافة‪ ،‬وبين التعددية والخصوصية‪:‬‬

‫كونـي للخطـاب السياسـي للتعدديـة الثقافيـة‪ ،‬وأهميـة‬               ‫هنـاك تعدديـة ثقافيـة لا شـك فـي هـذا؛ هنـاك‬
‫التكيـف مـع الاختـاف والتنـوع‪ ،‬أفـكار تناولتهـا‬                   ‫خصوصيـة؛ أيضـا لا شـك فـي هـذا‪ .‬غيـر أن‬
‫شـبكات دوليـة غيـر حكوميـة‪ ،‬كمـا تناولهـا العلمـاء‬                ‫المسـألة هـي هـل تتميـز ثقافـة عـن أخـرى؟ ومـا هـو‬
‫والباحثـون‪ ،‬وواضعـو الخطـط السياسـية‪ ،‬وهنـاك‬
‫مئـات النـدوات التـي تُعقـد والتقاريـر التـي تُنشـر‬                                              ‫معيـار التمييـز؟‬
‫لإذاعـة أفـكار عـن التعدديـة الثقافيـة وممارسـتها‪.‬‬
                                                                  ‫ممـا لاشـك فيـه أن عالـم الحضـا ارت جميعهـا هـو‬
‫وهـذه الأنشـطة كثيـ ار مـا تتضمـن الاشـت ارك فـي‬                  ‫عالـم متعـدد الثقافـات‪ ((4(.‬والعلاقـة بيـن «فلسـفة‬
‫معرفـة «أفضـل الممارسـات» فـي البلـدان المختلفـة‪،‬‬                 ‫الكونـي وخصوصيـة الثقافـة»‪ ،‬تنطلـق مـن رؤيـة‬
‫وبنـاء شـبكات تتجـاوز الحـدود الإقليميـة مـن‬                      ‫محـددة مفادهـا أن هنـاك تعدديـة فـي الآ ارء الفلسـفية‬
‫الخبـ ارء‪ ،‬والدعـاة‪ ،‬والمبدعيـن‪ ،‬ولتدريـب المنظمـات‬               ‫تصـل إلـى حـّد التعـارض والتضـارب فـي الآ ارء‪،‬‬
‫غيـر الحكوميـة والعامليـن فـي أجهـزة الإعـام علـى‬                 ‫وهـذه هـي سـمة الفلسـفة بصفـة عامـة‪ ،‬كمـا أن‬
‫تحديـات تكيـف السـكان مـع التعدديـة الثقافيـة ومـع‬                ‫الصـ ارع موجـود بيـن بنـي البشـر‪ ،‬يمارسـه القـوي‬
                                                                  ‫علـى الضعيـف‪ ،‬وتاريـخ البشـرية لـم يخلـو أبـدا مـن‬
                            ‫التعـدد العرقـي‪((4(.‬‬                  ‫الصـ ارع‪ .‬لكـن ذلـك لا يمنـع مـن وجـود المشـترك‬

‫الإنسـاني العـام بيـن الحضـا ارت جميعهـا‪ ،‬مهمـا وهنـاك مسـتوى آخـر جعـل مـن فكـرة التعدديـة‬

‫الثقافيـة وحقـوق الأقليـات عالميـة كونيـة هـو التقنيـن‬            ‫تعـددت الهويـات والثقافـات‪.‬‬

‫لهـا فـي مجموعـة مـن القواعـد الدوليـة العالميـة “أو‬              ‫لكـن كيـف نجـد فـي الاختـاف خيوطـا مشـتركة؟‬
‫شـبه القانونيـة” تتجسـد فـي إعلانـات لحقـوق الأقليـة‪،‬‬             ‫يقـول ميتشـنك‪« :‬إن الطـاب المتمرديـن فـي بيركلـي‬
‫فقـد تبنـت الأمـم المتحـدة عـام ‪ 1992‬إعلانـا بشـأن‬                ‫وباريـس مـن ناحيـة‪ ،‬وهـؤلاء فـي وارسـو وبـ ارغ مـن‬
‫حقـوق الأشـخاص الذيـن ينتمـون إلـى أقليـات قوميـة‬                 ‫الناحيـة الأخـرى‪ ،‬لـم يكونـوا يتشـاركون فـي أمـور‬
‫أو عرقيـة أو دينيـة أو لغويـة‪ ،‬كمـا ناقشـت مسـودة‬                 ‫كثيـرة‪ .‬الأولـون يرفضـون الحريـات الديمق ارطيـة‪،‬‬
‫لإعـان حقـوق الشـعوب الأصليـة‪ ،‬وهنـاك منظمـات‬                     ‫ويمجـدون المشـروع الشـيوعي‪ ،‬والآخـرون يمجـدون‬
‫دوليـة أخـرى مثـل‪ :‬منظمـة الأمـم المتحـدة للتربيـة‬                ‫الحريـات الديمق ارطيـة ويرفضـون الشـيوعية‪ ..‬علـى‬
‫والعلـوم والثقافـة “اليونسـكو ‪ ،”UNESCO‬ومنظمـة‬                    ‫الرغـم مـن ذلـك أعتقـد أنـه كان ثمـة خيـوط مشـتركة‪:‬‬
‫العمـل الدوليـة والبنـك الدولـي طـورت بدورهـا قواعـد‬              ‫الـروح المعاديـة للاسـتبداد‪ ،‬والحـس بالتحـرر‪،‬‬
‫ومعاييـر جديـدة بشـأن حقـوق الأقليـات‪ ،‬وحقـوق‬                     ‫والاقتنـاع بأنـه (كـي تكـون واقعيـا عليـك أن تطلـب‬

                         ‫الشـعوب الأصليـة‪((4(.‬‬                                                   ‫المس ـتحيل)”‪((4(.‬‬

‫والسـؤال مـع هـذا الانتشـار العالمـي لهـذه الأفـكار‬               ‫(‪ ((4‬يمكــن الرجــوع إلــى‪ :‬الحضــارات فــي السياســة‬
                                                                  ‫العالميـة‪ ..‬وجهـات نظـر جمعيـة وتعدديـة‪ ،‬تحريـر‪ :‬بيتـر‬
‫(‪ ((4‬ويــل كيمليــكا‪ ،‬أوديســا التعدديــة الثقافيــة‪ ..‬ســبر‬      ‫جـي كاتزنشـتاين‪ ،‬ترجمـة‪ :‬فاضـا جتكـر‪ ،‬عالـم المعرفـة‪،‬‬
‫السياسـات الدوليـة الجديـدة فـي التنـوع‪ ،‬ترجمـة أ‪.‬د‪ .‬إمـام‬
‫عبـد الفتـاح إمـام‪ ،‬عالـم المعرفـة (‪ )377‬يونيـو ‪،2011‬‬                                             ‫(‪ )385‬ف ب�ايـر ‪.2012‬‬

                                       ‫ج‪ ، 1‬ص‪.18‬‬                  ‫(‪ ((4‬ارس�ل جاكوبـ�ي‪ :‬نهاي�ةـ اليوتوبياــ‪ ..‬السياسـة والثقافـة‬
         ‫(‪ ((4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص‪.19-18‬‬                       ‫فيــ زم�ن الـال مبـالاة‪ ،‬ترجمـة‪ :‬فـاروق عبـد القـادر‪ ،‬عالـم‬

                                                                                ‫المعرف�ة (‪ ،)269‬مايـو ‪ ،2001‬ص‪.23‬‬

                                                              ‫‪56‬‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61