Page 57 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 57

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                        ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫مناقشـتها‪ ،‬ولا يسـتطيع تقديـم حلـول سـحرية لتخطـي‬                 ‫ومـع هـذا التقنيـن للقوانيـن الدوليـة؛ أيـن نجـد تنفيـذ‬
‫هـذه الصعـاب‪ ،‬علـى حـد قولـه‪ .‬هـل هـذا يؤكـد عجـز‬                 ‫هـذه الوعـود الدوليـة لحمايـة الجماعـات الضعيفـة‬
‫المجتمـع الدولـي؛ الـذي ضحـى بالعدالـة وبحقـوق‬                    ‫مـن الظلـم الجسـيم الـذي يحيـق بهـا؟ وأيـن نجـد مـا‬
‫الإنسـان أمـام القـوة المسـيطرة المهيمنـة فـي عالمنـا‬             ‫يسـمى ثـورة حقـوق الإنسـان؟ هـل يقصـد بـه حقـوق‬

                                    ‫المعاصـر؟‬                                            ‫الإنسـان الغربـي فحسـب؟‬

‫الواقع‪ ..‬أن مسألة تدويل التعددية الثقافية وحقوق‬                   ‫وكمـا يعتـرف ويـل كيمليـكا ‪ -‬الفيلسـوف الكنـدي‬
‫الأقليـات أخـذت فـي بلادنـا العربيـة منحـى مختلفـا‬                ‫‪ -‬بـأن الخطابـات والقواعـد الدوليـة المتعلقـة بالحقوق‬
‫تمامـا‪ ،‬ليـس المقصـود بـه الحفـاظ علـى حقـوق‬                      ‫الإنسـانية‪ ،‬وحقـوق الأقليـات‪« ،‬هـي أساسـا ليب ارليـة‬
‫الإنسـان‪ ،‬بـل أدى إلـى انقسـامات حـادة وتشـرذم‬                    ‫الطابـع‪ ،‬وهـي بذلـك تتسـق بصفـة عامـة مـع نظريات‬
‫ودمـار‪ ،‬وضيـاع إنسـانية الإنسـان العربـي‪ .‬فمـن‬                    ‫التعدديـة الثقافيـة الليب ارليـة التـي طورتهـا النظريـات‬
‫المفارقـات أن الدعـوة العالميـة لحقـوق الأقليـات قـد‬              ‫السياسـية الغربيـة الحديثـة‪ ،‬حيـث تفهـم التعدديـة‬
‫زرعـت فـي بلادنـا العربيـة بـذور دمـار البـاد علـى‬                ‫الثقافيـة علـى أنهـا مفهـوم يرشـده ويضبطـه فـى‬
‫أيـدى الذيـن تقّنعـوا بأقنعـة حقـوق الإنسـان وحقـوق‬               ‫آن معـا الالتـ ازم السياسـي بمبـادئ الحريـة الفرديـة‬
‫الأقليـات‪ ،‬وهـم لا يسـعون إلا إلـى تحقيـق مصالحهـم‬
                                                                                                  ‫والمس ـاواة»‪((4(.‬‬
             ‫الخاصـة علـى أنقـاد ودمـار بلادنـا‪.‬‬
                                                                  ‫وكيمليـكا يعتـرف بأنـه ‪ -‬فـي كتابـه «المواطنـة‬
‫هنـاك بالفعـل توتـر علـى أرض الواقـع يصـل إلـى‬                    ‫متعـددة الثقافـات» ‪ -‬كان يركـز علـى المفارقـات‬
‫حـّد المفارقـات فيمـا يعـرف بدعـوة كونيـة عالميـة‪،‬‬                ‫المحليـة داخـل الديمق ارطيـات الغربيـة‪ .‬إلـى أن‬
‫وفـي الوقـت نفسـه هنـاك موقـف عنصـري صريـح‬                        ‫ُطلـب منـه صياغـة معاييـر دوليـة لحقـوق الأقليـات‬
‫ضـد العديـد مـن الخصوصيـات والأقليـات‪ ،‬هنـاك‬                      ‫والانتشـار العالمـي لنمـاذج التعدديـة الثقافيـة وأفضـل‬
‫دعـوة إلـى قيـم كونيـة‪ :‬قيـم الحريـة والديمق ارطيـة‬
‫وحقـوق الإنسـان‪ ،‬لكنهـا تُنتهـك علـى أرض الواقـع‬                                                     ‫ممارس ـاتها‪.‬‬
‫فـي فلسـطين‪ ،‬وفـي العديـد مـن بلـدان العالـم‪ .‬ومـن‬
‫مفارقـات الواقـع مـا ُيسـمى «الحـروب بالوكالـة»‬                   ‫إذ يقـول‪“ :‬لقـد واجهـت محـاولات تدويـل نزعـة‬
                                                                  ‫التعدديـة الثقافيـة وحقـوق الأقليـات حقـل ألغـام‬
      ‫التـي يحـارب فيهـا الأخـوة بعضهـم بعضـا‪.‬‬                    ‫حقيقيـا ممتلئـا بخليـط مضطـرب مـن التصـو ارت‬
                                                                  ‫والمفاهيـم‪ ،‬والإح ارجـات الأخلاقيـة‪ ،‬والنتائـج غيـر‬
‫مـن مفارقـات الواقـع ت ارجـع قـوة الـدول العربيـة‪،‬‬                ‫المقصـودة‪ ،‬والتناقضـات القانونيـة والتلاعبـات‬
‫مقابـل الدولـة الصهيونيـة وتصورهـا الخـاص‬                         ‫السياسـية‪ ،‬ولا يتضـح مـا إذا كانـت هنـاك خريطـة‬
‫للعولمـة‪ ،‬وتمسـكها بالـولاء التقليـدي للأمـة والوطـن‪،‬‬             ‫طريق للإبحار وسـط هذه العقبات‪ .‬وعندما واجهت‬
                                                                  ‫الجهـود الدوليـة هـذه العقبـات وصلـت فـي بعـض‬
               ‫وممارسـة الحـرب باسـتم ارر‪((4(.‬‬                    ‫الأحيـان إلـى نهايتهـا‪ ،‬وفـي أحيـان أخـرى انحرفـت‬

‫(‪ ((4‬لا يخفـى علـى عاقـل الـدور الـذي تلعبـه إسـرائيل‬                                  ‫عـن الطريـق القويمـة»‪((4(.‬‬
‫فــي قضيــة ســد النهضــة وميــاه النيــل ومــا تمثلــه مــن‬
‫تهديـد لمصـر ولحيـاة المصرييـن‪ ،‬إن مجـالات التعـاون‬               ‫مـاذا يفعـل الفيلسـوف أمـام هـذه الألغـام؟؟ سـوى‬
‫والتنسـيق بيـن إسـرائل وإثيوبيـا وصلـت إلـى حـد وضـع‬
‫الصواريــخ الإســرائيلية حــول الســد لحمايتــه مــن أي‬                             ‫(‪ ((4‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪، 1‬ص‪.22‬‬
‫اعتـداء‪ ،‬ممـا يمثـل تهديـدا لمصـر‪ ،‬ويعـد انتهـاكا لاتفاقيـة‬                          ‫(‪ ((4‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪، 1‬ص‪.23‬‬
‫السـام‪ ،‬باختصـار إن وجـود إسـرائيل فـي المنطقـة هـو‬

                      ‫ســبب خــراب المنطقــة بأكملهــا‪.‬‬

                                                              ‫‪57‬‬
   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62