Page 22 - الأخلاق-الخير-والسعادة
P. 22
اﻷﺳﺗﺎذ :ﻋﺑداﻟﺻﻣدﺣﻣدي
ذﻟك اﻟﮭدف اﻟﺛﺎﻧﻲ .وﺑﺎﻟﺗراﺑط ﻣﻊ ﺛﻧﺎﺋﯾّﺔ اﻷھداف ھذه ،ﯾﻣﻛن ﻟﻧﺷﺎط اﻟﺑﺷر أن ﯾﺳﯾر ﻓﻲ
وﺟﮭﺗﯾن ،وذﻟك ﺣﺳب ﺳﻌﯾﮭم –ﺗرﺟﯾﺣﺎ أو ﺣﺻرا -إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﮭدف اﻷ ّول أو اﻟﺛﺎﻧﻲ" .وھذا
اﻟﺗﺣدﯾد اﻟذي ﯾﺿﻌﮫ "ﻓروﯾد" ﻟﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟﺳﻌﺎدة وﻣﻧزﻟﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻧﺎ اﻟﺑﺷرﯾّﺔ ،ﯾُﻌطﯾﮭﺎ دﻻﻟﺔ
اﻟﮭدف اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻧﻔﺳﻲ ،ﻟﺗﺗﺧذ ﺷﻛل اﻟطﻣوح واﻟرﻏﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺷد ﺗﺟﻧب اﻷﻟم ﻋﺑر
ﺗﺣﺎﺷﻲ اﻟﻠذة وھو اﻟﮭدف اﻟﺳﻠﺑ ّﻲ اﻟذي ﯾُﻘﺎﯾض ﻋدم اﻟوﻗوع ﻓﻲ اﻷﻟم ﺑﻌدم اﻹﻗﺑﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻠذة
ﻛﻣطﻠب ﻣﻐر ﻣن اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾّﺔ ،وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗﺗﺧذ ﻛذﻟك ﺷﻛل ﻧُﺷدان اﻟﻣﺗﻊ واﻟﻣﻠذات اﻟﻌﺎرﻣﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗدﻓﻌﻧﺎ إﻟﯾﮭﺎ اﻟرﻏﺑﺔ وﺗﺑﻘﻰ ﻣﺳﺗﻌﺻﯾﺔ اﻟﺗﺣﻘﻖ ﺑﻔﻌل ﺻدود اﻟواﻗﻊ .وﻣن ﺛ ّﻣﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺳﻌﺎدة ﻻ
ﺗﺗﺟﺎوز ﺣدود ﺗﻣﺛﻼﺗﻧﺎ ﻷﻧﻣﺎط اﻟﺣرﻣﺎن اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟذي ﻧﺳﺗﺑطﻧﮫ وﻧﻌﺗﻘد أن إﺷﺑﺎﻋﮫ ھو ﻣﺎ
ﯾﺧﻠﺻﻧﺎ ﻧﮭﺎﺋﯾﺎ ﻣن ذﻟك اﻟﺷﻌور اﻟﻣؤﻟم ﻣن ﺟﮭﺔ ،وأﺷﻛﺎل اﻟ ّرﻏﺑﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺟﺗذﺑﻧﺎ دون ﻗدرة
ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ إﺷﺑﺎﻋﮭﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ.
واﻟﺳﻌﺎدة ﺧﺎرج ھذا اﻟﺗﺣدﯾد اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟﻔروﯾدي ،ﺗﺗﺧذ أﺷﻛﺎﻻ وﻣﻌﺎن ﺷﺗﻰ ﻓﻲ ﺗﺻ ّور اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ،
ﻓﺗرﺗﺑط ﻓﻲ اﻟﺗﺻ ّور اﻟرواﻗﻲ ﻣﻊ "إﺑﯾﻛﺗﺎت" ﻗدﯾﻣﺎ وﺣﺗﻰ ﻣﻊ "ﺳﺑﯾﻧوزا" ﺣدﯾﺛﺎ ﺑﺎﻟﺧﯾر اﻷﺳﻣﻰ
اﻟذي ﯾﺗﺳم ﺑﺄﻧﮫ ﻧﺎﻓﻊ ،وﯾُﻣﻛن ﺗﻘﺎﺳﻣﮫ ﺑﺎﻟﺗﺳﺎوي ﺑﯾن اﻟﻧﺎس .وﻟﻛن ھذا اﻟﻧﺎﻓﻊ ﻛﻣﺎ ﻧﻌﻠم اﻟﯾوم،
ﺻﺎر ﯾﺗﺧذ ﻣدﻟوﻻ ﻣﺎدﯾّﺎ ﻓﻲ ﻋﺻرﻧﺎ وھو ﻣﺎ ﯾطرح ﻣﺷﻛﻼ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑدﻻﻟﺔ اﻟﻣﻔﺎھﯾم ذاﺗﮭﺎ ﻛﯾﻔﻣﺎ
ﺗﻐﯾّرت داﺧل اﻟﺳﯾﺎﻗﺎت اﻟﻔﻛرﯾّﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﺿﺎﻣﯾن .ﺛ ّم إن ھذا اﻟﺧﯾر اﻷﺳﻣﻰ اﻟذي ﺗﻣﺎﺛﻠﮫ
اﻟرواﻗﯾّﺔ ﺑﺎﻟﺳﻌﺎدة وﺗﻘول ﺑﺈﻣﻛﺎن ﺗﻘﺎﺳﻣﮫ ﺑﺎﻟﺗﺳﺎوي ،ﯾظل ﻏﯾر ﻗﺎﺑل ﻟﺗﻠك اﻟﻘﺳﻣﺔ اﻟﻌﺎدﻟﺔ ﻷﻧﮫ
ﻟﯾس ﻣﺎدﯾّﺎ وﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻛﻣﯾﻣﮫ ﺑﺷﻛل ﻣﺗﺳﺎو ﺑﯾن اﻟﺟﻣﯾﻊ وﺗوزﯾﻌﮫ ﺑﺷﻛل ﻋﺎدل .وﯾُﻣﻛن ﻟﻠﺑﻌض
أن ﯾﺗﺄ ّول اﻟﺳﻌﺎدة ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻔرح أو اﻟﻐﺑطﺔ .وﻟﻛﻧﻧﺎ ﻧﻘﻊ ﻓﻲ ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻣﺷﻛل آﺧر
ﯾُﺳﺗﻌﺻﻰ ﺣﻠّﮫ ،وﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ أن اﻟﻔرح واﻟﻐﺑطﺔ ﻣؤﻗﺗﺗﯾن وﻣﺗﺣ ّرﻛﺗﯾن ﺗﺗﺧﻠﻠﮭﻣﺎ اﻟزﯾﺎدة
واﻟﻧﻘﺻﺎن ﻓﻲ ﺣﯾن أن اﻟﺳﻌﺎدة ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻣﻔﮭوﻣﯾّﺔ ﺗﺑدو داﺋﻣﺎ ﻣﺗﺻﻔﺔ ﺑﺎﻟﺛﺑﺎت .وھو ﻣﺎ
ﯾﺟﻌل ﻣن ﻣطﺎﺑﻘﺗﮭﺎ ﺑﮭﻣﺎ ﻏﯾر ﺳﻠﯾﻣﺔ .وﺣﺗﻰ وإن اﻓﺗرﺿﻧﺎ أن اﻟﺳﻌﺎدة ﻻ ﺗﻔﮭم ﻓﻲ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻛﻠﻲ
اﻟﺛﺎﺑت واﻟﻣطﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ ﻋﺑّرت ﻋﻧﮫ اﻷرﺳطﯾّﺔ ﻣﺛﻼ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺻطدم ﺑﺄن اﻟﻣﺗﻌ ّدد
اﻟﻣﺗﻧ ّوع ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻓﻲ ﺣ ّد ذاﺗﮫ ﻣﻔﻛﻛﺎ وﻏﯾر واﺿﺢ .إذ ﻟو اﻓﺗرﺿﻧﺎ ﻛﻣﺎ ﺑﯾن "ﻛﺎﻧط"
وﻛﻣﺎ ﻋرض "ﻓروﯾد" ﻣن ﺑﻌده ،أن اﻟطﺎﻋن ﻓﻲ اﻟﺳن ﯾﺗﻣﺛل ﺳﻌﺎدﺗﮫ ﻓﻲ طول اﻟﻌﻣر وﺷﻘﺎؤه
ﯾﺗﺄﺗﻰ ﻣن ﺷﻌوره ﺑﺎﻷﻟم اﻟذي ﯾﺗﮭ ّدده ﺑﮫ اﻟﻣوت ،ھل أﻧﮫ ﯾﻣﻛن ﻟﮭذا اﻟﺷﺧص أن ﯾﺿﻣن ﻋدم
ﺗﻌ ّرﺿﮫ ﻷﺷﻛﺎل أﺷ ّد ﻣن اﻵﻻم طﯾﻠﺔ ﺣﯾﺎة ﻻ ﺗﻧﺗﮭﻲ وأن ﻧﺳﺗﺧﻠص ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠﺣﯾﺎة أﺻﻼ ﻓﻲ
ﻏﯾﺎب ﻓﻛرة اﻟﻣوت؟ .وﺣﺗﻰ إن رﺑطﻧﺎ اﻟﺳﻌﺎدة ﺑﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﺻ ّورات اﻹﺳﺗﮭﻼﻛﯾّﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة
واﻋﺗﺑرﻧﺎھﺎ ﻣرﺗﮭﻧﺔ ﺑﻣدى ﻗدرﺗﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗوﻓﯾر ﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟﺗﻲ ﻧﺑﺗﻐﯾﮭﺎ ،أﻻ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺗﻣﺛل ﻣن
ﻣﻧطﻠﻖ اﻟﺧﺑرة ،أن ﺗﻠك اﻟﺣﺎﺟﺎت ﺗﻔﻘد ﻗﯾﻣﺗﮭﺎ ﺑﻣﺟ ّرد أن ﺗُﺻﺑﺢ ﻓﻲ ﻣﺗﻧﺎوﻟﻧﺎ؟ .أﻻ ﯾُﻣﻛن ﺣﯾﻧﮭﺎ
أن ﺗﺗﺣ ّول اﻟﺣﯾﺎة إﻟﻰ ﺳﻛﯾﻧﺔ ﻣﻣﯾﺗﺔ ﺑﻣﺟ ّرد اﺳﺗﻛﻣﺎﻟﻧﺎ ﻟﻣطﺎﻟﺑﻧﺎ وﻣﻠذاﺗﻧﺎ ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾو ّﺿﺢ "روﺳــو"،
-ص – 21