Page 19 - الأخلاق-الخير-والسعادة
P. 19
اﻷﺳﺗﺎذ :ﻋﺑداﻟﺻﻣدﺣﻣدي
اﻟﻧﻘدي اﻟذي ﯾﺳﺗﺧﻠص ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺟدﯾدة ﻟﻠﺧﯾر واﻟﺳﻌﺎدة ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟواﺟب اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟذي ﻣﺛل
ﺟوھر اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت اﻟﻌﻘﻠﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﺷﺄت ﻣﻊ "ﺳﻘراط" و"أﻓﻼطون" وﺗرﺑّﻌت ﻋﻠﻰ ﻋرش اﻟﺗﺎرﯾﺦ
اﻷﺧﻼﻗﻲ .واﻟﺟﯾﻧﯾﺎﻟوﺟﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺗﻣدھﺎ "ﻧﯾﺗﺷﺔ" ﺗﻌﻧﻲ ﺑﺻرﯾﺢ ﻋﺑﺎرﺗﮫ "أﻧﮭﺎ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ أﺻل
اﻟﻘﯾم" .وذﻟك ﯾﻌﻧﻲ ،أن "ﻓﯾﻠﺳوف اﻟﻧﻘد واﻟﻣطرﻗﺔ" ،ﻻ ﯾﻌﺗرف ﺑﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﻘﯾم اﻟﺳﺎﺋدة ﻓﻲ
ﻣﺟﺎﻻﺗﮭﺎ اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ ،وﻻ ﯾﺟد ﺻﻼﺣﯾّﺔ وﻣﺳ ّوﻏﺎت واﺿﺣﺔ وﻣﻘﺑوﻟﺔ ﻟﻠﻘﯾم اﻟﺗﻲ
أﺳﺳت ﻟﮭﺎ اﻷﻧﺳﺎق واﻟﺗﺻ ّورات اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ﻣﻧذ "ﺳﻘراط" إﻟﻰ ﻣرﺣﻠﺗﮫ ،ﻣرورا ﺑﺄطوار
اﻟﺗﻠوﯾﻧﺎت اﻟﻔﻛرﯾّﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﻣدى ﻣراﺣل ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻏرﯾﻖ واﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ،
ﻣرورا ﺑﺎﻟﺣداﺛﺔ وﻋﺻر اﻷﻧوار وﺻوﻻ إﻟﻰ اﻟﺣﻘﺑﺔ اﻟوﺿﻌﯾّﺔ .ﻟذﻟك ﻧﻘرأ ﻟﮫ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ
"ﺟﻧﯾﺎﻟوﺟﯾﺎ اﻷﺧﻼق" ،ﻣﺗﺣدﺛﺎ ﻋن ﻣﺷروﻋﮫ اﻟﺟﻧﯾﺎﻟوﺟﻲ اﻟذي ﯾﻣﺛل ﺑﺣﺛﺎ ﻓﻲ أﺻل اﻟﻘﯾم ﺑﻣﺎ
ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻘﯾم اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ" :ﻧﺣن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﻘد اﻟﻘﯾم اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ)...وﻋﻠﯾﻧﺎ( ﺟﻣﻊ وﺛﺎﺋﻖ ھذه
اﻟﺛروة اﻟﻼﻧﮭﺎﺋﯾّﺔ ﻣن اﻷﺣﺎﺳﯾس اﻟرﻗﯾﻘﺔ واﻟﻔوارق اﻟدﻗﯾﻘﺔ ﺑﯾﻧﮭﺎ وﺑﯾن اﻟﻘﯾم اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻛف ﻋن
اﻟﺗواﻟد واﻟﺗﻼﺷﻲ .ﺗﺣدﯾدھﺎ ﻣﻧطﻘﯾّﺎ وﺗرﺗﯾﺑﮭﺎ ،ورﺑّﻣﺎ ﺗﻣ ّﻛﻧﺎ أﯾﺿﺎ ﻣن ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗوﺿﯾﺢ اﻷﺷﻛﺎل
اﻟﺗﻲ ﺗﺄﺧذھﺎ ھذه اﻟﺗﺑﻠورات اﻟﺣﯾّﺔ ﻣرﺣﻠﯾّﺎ أو ﻓﻲ ﻏﺎﻟب اﻷﺣﯾﺎن ،وﻛل ذﻟك ﺑﮭدف ﺗﺣﺿﯾر ﻋﻠم
دراﺳﺔ أﺻﻧﺎف اﻷﺧﻼق" .وھذا اﻟﺑﺣث ﻓﻲ أﺻل اﻟﻘﯾم ﺳﯾﺟﻌل "ﻧﯾﺗﺷﺔ" ﯾﻌود إﻟﻰ اﻟﻣرﺣﻠﺔ
اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ﻟﯾﺗوﻗف ﺑﻧﻘده ﺑﻌد ﻣﻌﺎﯾﻧﺔ أﺻل اﻟﻘﯾم ﻋﻧد "ﺳﻘراط" اﻟذي ﯾؤﺳس اﻷﺧﻼق ﻋﻠﻰ
اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ أﺳﺎﺳﮭﺎ اﻟﻌﻘل اﻟ ُﻣﻣﺛل ﻟﺗﺟﻠ ّﻲ اﻷﺑوﻟوﻧﯾّﺔ ﻧﺳﺑﺔ "ﻵﺑوﻟون" إﻻه اﻟﻛﮭﺎﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣل
ﻋﻠﻰ إﻋدام اﻟﺣﯾﺎة وﻗﺗﻠﮭﺎ .وﻟذﻟك ،ﻓﺈن "ﻧﯾﺗﺷﺔ" ،ﺳﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﺣﯾﺎء ﺗﺟﻠﯾﻼت "دﯾوﻧوزوس"
إﻻه اﻟﺧﻣر واﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ واﻟﻔرح .ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﺳﯾﺗﺟﮫ ﺑﻧﻘده إﻟﻰ "أﻓﻼطون" ،ﺣول ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺛل
وﻣﻧﮭﺟﮫ اﻟﺟدﻟﻲ واﺣﺗﻘﺎره ﻟﻠﻔن .وذﻟك ،ﻷن اﻹﻓراط ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻟﯾّﺔ ﺣﺳب "ﻧﯾﺗﺷﺔ" ﯾؤدي إﻟﻰ
ﺧﻠﻖ ﻋﺎﻟم اﻷﻓﻛﺎر اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﻘدﻧﺎ ﻛل ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻟﻌﯾﻧﻲ ،ﻓﺗﻛون اﻟﻘﺎﻋدة اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ
اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ ﻗرﯾﺑﺔ ﻛل اﻟﻘرب ﻣن اﻟﻘﺎﻋدة اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟزاھدة .وﻣن ﺧﻼل ﻋرض "ﻧﯾﺗﺷﺔ" ﻟﮭذا
اﻟﺻراع اﻟﻘﺎﺋم ﺑﯾن "آﺑوﻟون" و"دﯾوﻧوزوس" ،ﯾﺳﺗﺧﻠص أ ّن اﻧﺗﺻﺎر "ﺳﻘراط" و"أﻓﻼطون"
ﻟﻠﻌﻘل اﻟذي ﯾﻌﺑّر ﻋﻧﮫ "آﺑوﻟون" ،ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻗﺗل اﻟﻐراﺋز .وﻟذﻟك ،ﻓﺈﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘﯾض ﻣﻧﮭﻣﺎ
ﺳﯾُﺣﯾﻲ "دﯾوﻧوزوس" ﺑُﻐﯾﺔ إﺣﯾﺎء اﻟﺣﯾﺎة وإطﻼق ﻋﻧﺎن اﻟﻐراﺋز اﻟﺗﻲ ﺗ ّم ﺳﺟﻧﮭﺎ ﻣن طرف
اﻟﻌﻘل اﻟﺳﻘراطﻲ وأﺗﺑﺎﻋﮫ .إن "ﻧﯾﺗﺷﺔ" ﯾدﻋو إﻟﻰ اﻹﺑداع ﻣن أﺟل ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟذات وﺗﺟﺳﯾم
اﻹرادة وإﺛراءھﺎ ﺑﺎﺳﺗﻣرار ،وإﻟﻰ ﺗﺣرﯾر اﻟﻧﻔس ﻣن اﻟوﺻﺎﯾﺔ واﻟﺿواﺑط اﻟﺗﻲ ﯾﻔرﺿﮭﺎ
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ واﻟدﯾن ﻓﯾﻘول" :ﻟﯾﺳت ھﻧﺎك ﺟواھر وﻟﯾﺳت ھﻧﺎك ﻗﯾم أﺧﻼﻗﯾّﺔ ﻣطﻠﻘﺔ ،ﺑل إن ﻛل ﻣﺎ
ﯾﻣﻛن اﻟﻌﺛور ﻋﻠﯾﮫ ھو ﺗﺄوﯾﻼت ذاﺗﯾﺔ ﻟﻠﻘﯾم" .وﻟذﻟك ،ﻓﺈن اﻷﺧﻼق ﻟدى "ﻧﯾﺗﺷﺔ" ﺳﺗﻛون ذاﺗﯾّﺔ
وﻧﺳﺑﯾّﺔ طﺎﻟﻣﺎ أن اﻹﻧﺳﺎن ھو اﻟذي ﯾُﺑدﻋﮭﺎ ﺑﻧﻔﺳﮫ .ﯾﻘول ﻓﻲ "ﺟﯾﻧﯾﺎﻟوﺟﯾﺎ اﻷﺧﻼق"" :إﻧﻧﺎ
ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﻘد اﻟﻘﯾم اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ .وﯾﺟب أن ﻧﺑدأ ﺑﺎﻟﺗﺳﺎؤل ﺑﺷﺄن ﻗﯾﻣﺔ ھذه اﻟﻘﯾم ﻧﻔﺳﮭﺎ .وﯾﻔﺗرض
-ص – 18