Page 14 - الأخلاق-الخير-والسعادة
P. 14
اﻷﺳﺗﺎذ:ﻋﺑداﻟﺻﻣدﺣﻣدي
ﺗﺗﺣدد ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺳﻌﺎدات ﺑدرﺟﺎت ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ )ﺳﻌﺎدة ﺗﺧص اﻟﻌﺑﯾد ،وﺳﻌﺎدة ﺗﺧ ّص اﻟ ّزراع ،وأﺧرى
ﺗﺧص اﻟﻣﺣﺎرﺑﯾن...إﻟﻰ أن ﻧﺻل إﻟﻰ ﺳﻌﺎدة اﻷﺳﯾﺎد( .ﺛ ّم إﻧﮫ ﯾﻌﺗﺑر أن ﺳﻌﺎدة ﻛل ﺷﺧص
ﺗﺗﺣ ّدد ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺧﺗ ّص ﺑﮭﺎ ﺻﺎﺣﺑﮭﺎ ﺿﻣن اﻟدرﺟﺔ اﻷﻧطوﻟوﺟﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔرﺿﮭﺎ
ﻋﻠﯾﮫ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،ﺑﺷﻛل ﻣﺳﺑﻖ وﻣطﻠﻖ .وطﺑﻘﺎ ﻟذﻟك ،ﺳﺗﻛون اﻟﺳﻌﺎدة أﺷﻛﺎل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺑﺎﺧﺗﻼف
اﻟﻣراﺗب اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ وﻣﺎ ﺗﻔرﺿﮫ ﻣن اﺧﺗﻼﻓﺎت ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟوظﺎﺋف .إذ ﺳﺗﻛون ﻟﻠﻌﺑﯾد ﺳﻌﺎدﺗﮭم
وﺧﯾرھم اﻷﺳﻣﻰ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻼن ﻣﻊ ﻓﺿﯾﻠﺗﮭم اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ طﺎﻋﺔ اﻷﺳﯾﺎد واﻟﺗﻔﺎﻧﻲ ﻓــــﻲ
ﺧدﻣﺗﮭم .ﻛﻣﺎ ﺳﺗﻛون ﻟﻸﺳﯾﺎد ﺳﻌﺎدﺗﮭم وﺧﯾرھم اﻷﺳﻣﻰ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻼن ﻣﻊ ﻓﺿﯾﻠﺗﮭم اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ
اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻔرغ ﻟﻠﺗﺄ ّﻣل اﻟﻌﻘﻠﻲ ،ﻛﻣﺎ ﺳﺗﻛون ﻟﺑﻘﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗ ّﺻﯾن ﺑوظﺎﺋف أﺧرى ﺳﻌﺎداﺗﮭم
اﻟﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺗﻠك اﻟوظﺎﺋف .إﻻ أﻧﻧﺎ ﻧﺟد ﻟدى "أرﺳطو" ﺗﻣﯾﯾزا ﺗﻔﺎﺿﻠﯾﺎ ﻟﺳﻌﺎدة اﻷﺳﯾﺎد /اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ
اﻟذﯾن ﯾﺧﺗﺻون ﺑﺎﻟﺗﺄﻣل اﻟﻌﻘﻠﻲ .ﯾﻘول" :إن اﻟﺳﻌﺎدة ﺣﻘﺎ ھﻲ اﻟﻔﻌل اﻟﻣطﺎﺑﻖ ﻟﻠﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ
ﺑﺎﻟﺟزء اﻷﻋﻠﻰ ﻣن اﻹﻧﺳﺎن" .واﻟﺟزء اﻷﻋﻠﻰ اﻟذي ﯾﻘﺻده "أرﺳطو" ھو اﻟﻌﻘل .ﺛ ّم ﯾؤﻛد
ﻻﺣﻘﺎ أن ﻓﻌل اﻟﻌﻘل ھو ﻓﻌل ﻣطﺎﺑﻖ ﻟﻠﻔﺿﯾﻠﺔ واﻟﺳﻌﺎدة ،وان ھذا اﻟﻔﻌل ھو "اﻟﺗﺄ ّﻣل" ،ﻓﯾﻘول
ﻣو ّﺿﺣﺎ ذﻟك" :إن ﻓﻌل ھذا اﻟﺟزء اﻟﻣطﺎﺑﻖ ﻟﻠﻔﺿﯾﻠﺔ ﯾﺟب أن ﯾﻛون ھو اﻟﺳﻌﺎدة اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ .وﻗد
ﻗﻠﻧﺎ أن ھذا اﻟﻔﻌل ھو ﻓﻌل اﻟﺗﺄ ّﻣل" .وﺣﯾﻧﺋذ ،ﻓﺎﻟﺗﺄﻣل اﻟذي ھو ﻓﻌل ﯾﺧﺗ ّص ﺑﮫ اﻟﻌﻘل دون ﻏﯾره
ﻣن اﻟﻣﻠﻛﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ھو اﻟﻔﻌل اﻟذي ﯾﺣﻘﻖ ﺳﻌﺎدة اﻹﻧﺳﺎن وﻏﺑطﺗﮫ .وھذه اﻟﺳﻌﺎدة ﻣﺗطﺎﺑﻘﺔ
ﺗﻣﺎم اﻟﺗطﺎﺑﻖ ﺑﺎﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ واﻟﺧﯾر اﻷﺳﻣﻰ ﻷﺻﺣﺎﺑﮫ .وﻟﻛن ،ھل ﻣﻌﻧﻰ ذﻟك أن ﺳﻌﺎدة
اﻟﻌﺑﯾد ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم وﻣﻧﺳﺟﻣﺔ؟ ،وﺳﻌﺎدة اﻷﺳﯾﺎد وﺧﯾرھم اﻷﺳﻣﻰ ﻣﻧﺳﺟﻣﺎن وﻣﺗﻣﺎﺛﻼن؟.
ﯾﻌﺗﺑر "أرﺳطو" أن اﻟﻌﺑﯾد ﻻ ﯾﺗﻣﺎﺛﻠون ﻓﻲ اﻟﺳﻌﺎدة رﻏم وﺣدة وظﯾﻔﺗﮭم ،ﻛﻣﺎ أن اﻷﺳﯾﺎد ﻻ
ﯾﺗﻣﺎﺛﻠون ﻓﻲ اﻟﺳﻌﺎدة ﻛذﻟك .وﯾؤﻛد أن اﻷﺳﻌد ﻣن ﺑﯾن اﻟﻌﺑﯾد واﻷﺳﻌد ﻣن ﺑﯾن اﻷﺳﯾﺎد داﺋﻣﺎ،
ھو اﻟذي ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟﺟدارة ﻓﻲ إﻧﺟﺎز ﻣﮭ ّﻣﺗﮫ ،واﻷﻛﺛرھم ﻛﻔﺎءة ﺑﺷﻛل ﻣﺗواﺻل .وﻟﻛﻲ ﯾوﺿﺢ
ذﻟك ،ﯾُﻘ ّدم "أرﺳطو" ﻣﺛﺎﻻ ﺣﺟﺎﺟﯾﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺟوﻗﺔ )ﻓرﻗﺔ( ﻋﺎزﻓﻲ اﻟﻘﯾﺛﺎرة ﻛﻔرﻗﺔ ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ
إﻧﺟﺎز ﻣﮭ ّﻣﺔ اﻟﻌزف ،ﻟﯾؤﻛد أﻧﮫ رﻏم ﺗﻣﺎﺛﻠﮭم ﻓﻲ وظﯾﻔﺔ اﻟﻌزف اﻟﺗﻲ ﯾﺧﺗ ّﺻون ﺑﮭﺎ ،ﻓﺈن
أﺳﻌدھم ھو أﺗﻘﻧﮭم وأﻣﮭرھم ﻓﻲ اﻟﻌزف وأﺟدرھم ﺑﺷﻛل ﻣﺗواﺻل ﻋﻠﻰ اﻟدوام.
*** أ ّﻣﺎ ﻓﻠﺳﻔﺔ "ﺳﺑﯾﻧوزا" ،ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺳﺗﺑدو ﻣﻘرﻓﺔ ﻓﻲ ﺗﺻ ّورھﺎ اﻹﯾﺗﯾﻘﻲ ﻟﻠﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﻣن
وﺟﮭﺔ ﻧظر اﻟﻛﺛﯾرﯾن .واﻟﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك ﻛﻣﺎ ﯾﺑﯾن ﺑﻌض اﻟﺷ ّراح ،ھو ﻗطﻌﮭﺎ ﻣﻊ أﺧﻼق اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ
اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟوﻋد واﻟوﻋﯾد ،وﻣﻊ أﺧﻼق اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺑدإ اﻹﻟﺗزام
واﻟواﺟب .ذﻟك أن "ﺳﺑﯾﻧوزا" ،ﯾﻌﺗﺑر ﺑﺄن أﺧﻼق اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ ﻻ ﺗﻔﻌل ﺳوى زرع وازع اﻟﺧﺷﯾﺔ
واﻟ ّرھﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ،ﻟﺗوﻟّد ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺷﺎﻋر اﻟﻛراھﯾﺔ واﻟﺣﻘد واﻟﺿﻐﯾﻧﺔ .ﻓﻲ ﺣﯾن ﺗرﺳم أﺧـــــﻼق
-ص – 12