Page 16 - الأخلاق-الخير-والسعادة
P. 16
اﻷﺳﺗﺎذ :ﻋﺑد اﻟﺻﻣد ﺣﻣدي
و "ﺳﺑﯾﻧوزا" ﻓﻲ ﺗﺻ ّوره اﻷﺧﻼﻗﻲ ﯾﺳﯾر ﺳﯾرا ﻣﻧطﻘﯾّﺎ دﻗﯾﻘﺎ ﺣﺗﻰ ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻧﺗﺎﺋﺟﮫ اﻟﺗﻲ
ﯾﻘ ّدﻣﮭﺎ .ﻓﮭو ﯾﻌﺗﺑرأن اﻟﺳﻌﺎدة ھﻲ اﻟﻐرض اﻟﻣطﻠوب ﻓﻲ اﻷﺧﻼق اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ .وﻟﻛن ،ﻣﺎ ھﻲ ھذه
اﻟﺳﻌﺎدة اﻟﺗﻲ ﻧﺗﺟﮫ إﻟﯾﮭﺎ وﻧﻘﺻدھﺎ؟.
إن اﻟﺳﻌﺎدة اﻟﺗﻲ ﯾﻌﻧﯾﮭﺎ ﻓﯾﻠﺳوﻓﻧﺎ ،ھﻲ ﺳﻌﺎدة اﻟﺳرور واﻟﻐﺑطﺔ ،وزوال اﻷﻟم .وﺗرﺗﺑط ﺷروط
ﺑﻠوغ اﻟﺳﻌﺎدة ﺑﻘ ّوة اﻟﻌﻘل اﻟﻣﺗّزﻧﺔ أو اﻟذﻛﺎء .واﻟذﻛﺎء ھو اﻟوﺳﯾط اﻟوﺣﯾد اﻟذي ﻧﺳﺗطﯾﻊ ﻣن
ﺧﻼﻟﮫ ﺗﺣرﯾر أﻧﻔﺳﻧﺎ ﻣن ﺳﯾطرة اﻟﻐراﺋز .وﻣن ھذا اﻟﻣﻧطﻠﻖ ،ﻓﺎﻟﻌﺎطﻔﺔ ﺳﻠﺑﯾّﺔ وﺗُﺣﯾل ﻋﻠﻰ
اﻟﻌﺑودﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾﻛون اﻟﻌﻘل إﯾﺟﺎﺑ ّﻲ داﺋﻣﺎ وﯾُﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾّﺔ .وإذا ﻛﺎﻧت أﺧﻼق "ﺳﺑﯾﻧوزا"
ﻻ ﺗﺿﻊ واﺟﺑﺎ أﺧﻼﻗﯾﺎ ﺻرﯾﺣﺎ ﻣﺛﻠﻣﺎ وﺿﻌت ﻛل اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﺳﺑﻘﺗﮭﺎ ،ﻓﺈن ﻣﻌﻧﻰ اﻟواﺟب
ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗﺣ ّدد ﻓﻲ ﺻﯾﻎ ﻧﮭﺞ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻔﮭم واﻗﻊ اﻟﺿرورة اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛم اﻟﻌﺎﻟم /اﻟواﻗﻊ ﺑر ّﻣﺗﮫ،
واﻟﺳﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﻔﻌل وﻓﻖ ﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﻌﻘل اﻟذي ﯾﺟﻧّﺑﻧﺎ اﻟوﻗوع ﻓﻲ اﻹﻧﺷداد إﻟﻰ اﻟﻐراﺋز
واﻟ ّرﻏﺑﺎت اﻟ ّرﻋﻧﺎء.
*** وﻗد ﻋﻣل "دورﻛﺎﯾم" ﻛﻣﺎ ﺳﺑﻖ وأن ﻋرﺿﻧﺎ ﻟﮫ ،ﻋﻠﻰ ﺟﻌل اﻟواﺟب اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟذي ﯾﻧﺑﺛﻖ
ﻋن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﺻدرا وﺣﯾدا ﻟﺑﻠوغ اﻟﺳﻌﺎدة .ذﻟك ،أن اﻟﻐﺑطﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﺷﻌرھﺎ اﻟﻔرد ﺗﻌﺎدل
ﺧﯾره اﻷﺳﻣﻰ ،وﻛﻼھﻣﺎ ﯾﺷﺗرط رﺿﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑوﺻﻔﮫ ﻣرﺟﻊ اﻟﻘﯾم وﻣﺻدر ﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟ ُﺣﻛم
اﻟﻘﯾﻣﻲ .واﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ذﻟك اﻟﻔﮭم اﻟوﺿﻌﻲ اﻟﺳوﺳﯾوﻟوﺟﻲ ﺗﻛون اﻟﺳﻌﺎدة ﻓﻲ ﻣﺗﻧﺎول اﻷﻓراد
واﻗﻌﯾّﺎ إن ھم ﺟﻌﻠوا ﻣن ﺳﻠوﻛﺎﺗﮭم وأﻓﻌﺎﻟﮭم ﺗﺗطﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗُﻣﻠﯾﮫ ﻋﻠﯾﮭم ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﮭم ﻣن اﻟﺗزام
ﺑﻣﻌﺎﯾﯾرھﺎ وﺿواﺑطﮭﺎ اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ .وھو ﻣﺎ ﯾﺗرﺗّب ﻋﻧﮫ ،أن ﻻ ﺗﻛون اﻟﺳﻌﺎدة واﻟﺧﯾر اﻷﺳﻣﻰ
ﻣﺗﻌﺎﻟﯾﺎن ﻣﺟ ّردان ،ﺑل واﻗﻌﺗﺎن ﻣوﺿوﻋﯾﺗﺎن ﻣﻣﻛﻧﺗﺎن ﺗﺗﻣﺎﺛﻼن ﻣﻊ اﻟواﺟب اﻟذي ﯾﺟﻌل ﻣن
اﻹﻟﺗزام اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻓﻲ ﺑﻌده اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻣﻧﮭﺞ ﺣﯾﺎة وطرﯾﻘﺔ ﺳﻠوك وﻗﺎﻋدة ﻓﻌل وﺣﯾﺎة .وﻟﻛن،
أﻻ ﯾُﻣﻛن ﻟﻠواﺟب اﻷﺧﻼﻗﻲ أن ﯾﻛون ﻣﺟ ّرد أﻣر ﻻ ﯾُﻔﺿﻲ إﻟﻰ اﻟﺳﻌﺎدة ﻛﻣﺎ ﻧﺄﻣﻠﮭﺎ وﺗﻌﺑّر ﻋﻧﺎ
ﺣﻘﯾﻘﺔ؟ .ﺛ ّم ،أﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻠﻔﺎﺿل اﻟﻣﺗﺧﻠﻖ أن ﻻ ﯾﻛون ﺳﻌﯾدا ﻓﻲ ﺗﺻ ّور ﺑﻌض اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت
اﻷﺧرى؟.
4
ﻛﺛﯾرة ھﻲ اﻟﺗﺻ ّورات اﻟﻧﻘدﯾّﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾّﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑرأن اﻟواﺟب اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻟﯾس ﻣن
طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺳﻌﺎدة ،وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون وﺳﯾطﺎ ﻟﺑﻠوﻏﮭﺎ .وﻟﻌ ّل اﻟﻛﺎﻧطﯾﺔ أﻣﯾز ﺗﻠك اﻟﺗﺻـــــ ّورات.
*** ﻻ ﯾﻧﺳﺟم اﻟواﺟب اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﻛﺎﻧطﻲ اﻟذي ﯾﻧﺷد اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻷﺧﻼﻗ ّﯾﺔ ﻓﻲ ذاﺗﮭﺎ دون ارﺗﺑﺎط
ﺑﻣﺻﻠﺣﺔ أو ﻣﻧﻔﻌﺔ أو رﻏﺑﺔ أو ﻧﺎزع ﻣن اﻟﻧوازع ،ﻣﻊ ﻣطﻠب اﻟﺳﻌﺎدة اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺧذ دﻻﻟﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
ﺗﻣﺎﻣﺎ ،وﺗﻛون ﻋﻧﺎﺻرھﺎ اﻟﻣﻛ ّوﻧﺔ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﻋﻧﺎﺻر ﺧﺑرﯾّﺔ وﻣﺿﺎﻣﯾﻧـــــــــــﮭﺎ ﻣﺎدﯾّﺔ ﻛﻣﺎ
-ص - 14