Page 17 - الأخلاق-الخير-والسعادة
P. 17
اﻷﺳﺗﺎذ:ﻋﺑداﻟﺻﻣدﺣﻣدي
ﯾُو ّﺿﺢ "ﻛﺎﻧط" ﻧﻔﺳﮫ ذﻟك ،ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "أﺳس ﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﺎ اﻷﺧﻼق" ،ﺣﯾث ﯾﺣ ّدد ﻣﻔﮭوم اﻟﺳﻌﺎدة
ﻓﯾﻘول" :إن ﻣﻔﮭوم اﻟﺳﻌﺎدة ،ﻣﻔﮭوم ﺑﻠﻎ ﻣن ﻋدم اﻟﺗﺣدﯾد ﻣﺑﻠﻐﺎ ﺟﻌل ﻛل إﻧﺳﺎن – ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم
ﻣن رﻏﺑﺗﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﺳﻌﯾدا – ﯾﻌﺟز ﻋن أن ﯾﻘول ﻓﻲ أﻟﻔﺎظ دﻗﯾﻘﺔ وﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺔ ﻣﺎ ﯾرﻏب
ﻓﯾﮫ ،وﻣﺎ ﯾروﻣﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ .واﻟﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك ،أن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺗﻲ ﺗؤﻟّف ﻣﻔﮭوم اﻟﺳﻌﺎدة
ھﻲ ﻓﻲ ُﻣﺟﻣﻠﮭﺎ ﻋﻧﺎﺻر ﺧﺑرﯾّﺔ" )أي ،أﻧﮭﺎ ﺗرﺗﺑط ﺑﻣﺟﺎﻟﻧﺎ اﻟﺧﺑري /أي ،ﻣﺎ ﯾﺗﺄﺗّﻰ ﻟﻧﺎ ﻋن
اﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟﺧﺑرة اﻟﺣﯾﺎﺗﯾّﺔ( .وﺗﺑﯾّن ھذه اﻟﻌﺑﺎرة ﺑوﺿوح ودﻗﺔ ،أن ﻣﺟﺎل اﻷﺧﻼق ﻟﯾس ﻣﺟﺎل
اﻟﺳﻌﺎدة إطﻼﻗﺎ .إذ ﻛﻣﺎ ﺳﺑﻖ وأن ﻋرﺿﻧﺎ ﻟﻸﺧﻼق اﻟﻛﺎﻧطﯾّﺔ ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﻧﺎ ﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟواﺟب ،ﺗﺑ ّﯾﻧﺎ
أن ﺗﻠك اﻷﺧﻼق ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟواﺟب اﻟذي ﯾﺗﺿ ّﻣن اﻷﻣر اﻟﻘطﻌﻲ واﻟﻘﺎﻧون اﻷﺧﻼﻗﻲ واﻹرادة
اﻟذاﺗﯾّﺔ ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺔ "إﻓﻌل ﻣﺎ ﯾﺟب أن ﯾﻛون ،وﻟﯾﻛن ﻣﺎ ﯾﻛون" ،و "إﻓﻌل ﻛﻣﺎ ﻟو أﻧك ﺗرﯾد ﻟﻔﻌﻠك
أن ﯾﺻﯾر ﻗﺎﻧوﻧﺎ ﻛﻠﯾّﺎ" دون ارﺗﺑﺎط ﺑﻣﻧﻔﻌﺔ أو ﻣﯾل أو ھوى .أ ّﻣﺎ اﻟﺳﻌﺎدة ﻛﻣﺎ ﺗﺑرز ﻣﻌﺎﻧﯾﮭﺎ ﻓﻲ
ﺳﯾﺎق ﻋﺑﺎرﺗﮫ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﮭﻲ ﻻ ﺗرﺗﺑط ﺑﺎﻷﻣر اﻟﻘطﻌﻲ إطﻼﻗﺎ ،ﺑل ﺗرﺗﺑط ﺑﻌواﻣل اﻟ ّرﻏﺑﺔ .وﻣن
ﺛ ّﻣﺔ ،ﻓﮭﻲ ﺗﺗﺧذ وﺟﮭﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻣﻊ اﻟوﺟﮭﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﻟﻠﻔﻌل .ﻓﺎﻟذي ﯾﻧﺷد اﻟﺳﻌﺎدة ﻛﻣﺎ
ﺗرﺗﺑط ﺑرﻏﺑﺗﮫ ،ﺳﯾراھﺎ ﻓﻲ ﻛل ﻣ ّرة وﯾﺗﻣﺛﻠﮭﺎ ﺑﺷﻛل ﻣﺧﺗﻠف وﻓﻲ ارﺗﺑﺎط ﺑﻣواﺿﯾﻊ وﺣﺎﺟﺎت
ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ .وھﻛذا ،ﻓﺈن اﻟﻣرﯾض ﺳﯾرى ﺳﻌﺎدﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺻﺣﺔ واﻟﺷﻔﺎء ،واﻟطﺎﻋن ﻓﻲ اﻟﺳن ﺳﯾﻌﺗﺑر
ﺳﻌﺎدﺗﮫ ﻓﻲ طول اﻟﻌﻣر ،ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾرى اﻟﻔﻘﯾر ﺳﻌﺎدﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺛراء واﻟ ُﻣﻣﺗﺣن ﺳﻌﺎدﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻧﺟﺎح.
وﺣﯾﻧﺋذ ،ﻓﺈﻧﮫ ﻟﯾس ھﻧﺎﻟك ﺳﻌﺎدة واﺣدة ﻣﺛﻠﻣﺎ ھﻧﺎﻟك أﺧﻼﻗﯾّﺔ واﺣدة ،ﺑل ھﻧﺎﻟك أﺷﻛﺎل وأﻧﻣﺎط
ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن اﻟﺳﻌﺎدات ﺗﻛون ﺣﺗﻰ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎ ﻛﺛﯾرة ﻟدى اﻟﺷﺧص اﻟواﺣد ،وﺑﯾن
اﻷﺷﺧﺎص ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم .ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻟﯾس ھﻧﺎﻟك ﻣﺑدأ واﺿﺢ وﺛﺎﺑت ﻟﻠﺳﻌﺎدة ،وﻟذﻟك ﯾﻘول "ﻛﺎﻧط":
"إن اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺎﺟز ﻋن أن ﯾُﺣ ّدد ﺑﯾﻘﯾن ﺗﺎ ّم وﺗﺑﻌﺎ ﻟﻣﺑدإ ﻣن اﻟﻣﺑﺎديء ﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﮫ ﺳﻌﯾدا ﺑﺣ ّﻖ".
وھﻛذا ،ﻓﺎﻟﺳﻌﺎدة ﺣﺳب "ﻛﺎﻧط" ﻧﺳﺑﯾّﺔ ﻣﺗﻐﯾّرة وﻣﺗﻌ ّددة ،ﻓﻲ ﺣﯾن ﺗﻛون اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻷﺧﻼﻗ ّﯾﺔ
واﻟواﺟب ﺛﺎﺑﺗﺎن ﻣطﻠﻘﺎن داﺋﻣﺎ .وﺗﻛون اﻟﺳﻌﺎدة ُﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺎﻟرﻏﺑﺔ واﻟﻣﯾل ﻓﻲ ﺗﻧوﻋﮭﻣﺎ
وﻛﺛرﺗﮭﻣﺎ ،ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾﻛون اﻟواﺟب ﻣرﺗﺑطﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘل .وﺣﯾﻧﺋذ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﻛون ﺳﻌداء ﺑﺎﻷﺧﻼق
ﺣﺳب "ﻛﺎﻧط" ،طﺎﻟﻣﺎ أن اﻟﺳﻌﯾد واﻟ ُﻣﺗﺧﻠﻖ ﻻ ﯾﺗﻣﺎﺛﻼن ﺣﺳب ھذا اﻟﺗﺻ ّور.
*** أ ّﻣﺎ اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ﻟﻠﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺧﯾر واﻟﺳﻌﺎدة ،ﻓﮭﻲ ﺗﺗﻣﯾّز ﺑﺗﺻ ّورھﺎ
اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﺎ ّدي اﻟﺟدﻟﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ،اﻟذي ﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻷوﺿﺎع اﻟطﺑﻘﯾّﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ
ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻹﻗﺗﺻﺎدي واﻟظروف اﻟﻣﺎدﯾّﺔ ،وﻣﺎ ﺗُﻔرزه ﻣن ﺗﻧﺎﻗﺿﺎت وﺻراﻋﺎت ﺑﯾن ﺗﻠك اﻟطﺑﻘﺎت
اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ووﺳﺎﺋل ﺗﺣﻘﯾﻘﮭﺎ .وھو ﺗﺻ ّور "ﯾرﻓض ﻛ ّل ا ّدﻋﺎء ﯾﻔرض
ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻋﻘﺎﺋد ّﯾﺔ أﺧﻼﻗﯾّﺔ ﻛﻘﺎﻧون إﺿﺎﻓ ّﻲ ﺳرﻣد ّي وﻧﮭﺎﺋ ّﻲ" ﻛﻣﺎ ﯾﻘول "إﻧﻘﻠز" ،ﻋﻠﻰ ﺧﻼف
اﻟﺗﺻ ّورات اﻷﺧﻼﻗﯾّﺔ اﻟ ّدﯾﻧﯾﺔ ،أو اﻟﺗﺻ ّورات اﻟﻌﻘﻠﯾّﺔ اﻟﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾّﺔ ﻛﻣﺎ ھو ﺣﺎل اﻟﺗﺻ ّور
اﻟﻛﺎﻧطﻲ ﻟﻸﺧﻼق .ذﻟك أن اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾّﺔ ﺗﻘ ّر ﺑﺄن "اﻷﺧـــﻼق ﻋﻠﻰ اﻟ ّدوام ھﻲ أﺧﻼق طﺑﻘﯾّـــــﺔ".
-ص - 15