Page 15 - الأخلاق-الخير-والسعادة
P. 15

‫اﻷﺳﺗﺎذ‪ :‬ﻋﺑد اﻟﺻﻣد ﺣﻣدي‬

‫اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺻورة إﻧﺳﺎن ﻓﺎﺋﻖ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ وﺗدﻋوﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻧﺳﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﻧواﻟﮫ‪ ،‬وﺣﯾﻧﻣﺎ ﻧﻔﺷل ﻓﻲ أن‬
‫ﻧﻛون ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬ﺗﺗّﮭﻣﻧﺎ ﺑﺎﻟﺗﻘﺻﯾر وﺗﺻﻔﻧﺎ ﺑﺎﻟرذﯾﻠﺔ واﻟ ّدوﻧﯾّﺔ واﻹﺑﺗذال‪ .‬وﻓﻠﺳﻔﺔ "ﺳﺑﯾﻧوزا" ھﻲ‬
‫ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﻔرح واﻟﺳﻌﺎدة ﻗﺑل ﺷﻲء‪ .‬وﻟﻛن اﻟﺳﻌﺎدة واﻟﻔرح ﻻ ﯾﺗﺣﻘﻘﺎن ﺑﻘﻣﻊ اﻟﻣﯾوﻻت اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ‬
‫ﻟﻺﻧﺳﺎن وﻗﮭرھﺎ إﻟﻰ ﺣ ّد اﻟﺗﻧ ّﻛر ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﺑل ﯾﺗﺣﻘﻘﺎن ﻋﺑر إﻧﻣﺎء اﻹﻧﻔﻌﺎﻻت واﻷھواء وﺗﮭذﯾﺑﮭﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻘل‪ ،‬ﻛﻲ ﺗﺗﺣ ّول ﻣن إﻧﻔﻌﺎﻻت ﺳﻠﺑﯾّﺔ إﻟﻰ إﻧﻔﻌﺎﻻت إﯾﺟﺎﺑﯾّﺔ‪ .‬وﻛ ّل ذﻟك ﻻ ﯾﺗﺣﻘﻖ إﻻ ﺑﺎﻟﻣﻌرﻓﺔ‬
‫ﻷﻧﮭﺎ اﻷداة اﻟوﺣﯾدة ﻟﺧﻼﺻﻧﺎ وﺗﺣ ّررﻧﺎ‪ .‬ﻓﻧظرﯾّﺔ "ﻓﯾﻠﺳوف اﻟﺟوھر اﻟواﺣد" ﺗﻘ ّدم إﺳﮭﺎﻣﺎ ﻛﺑﯾرا‬
‫وﻓرﯾدا ﻓﻲ ﻛﺗﺎب "إﯾﺗﯾﻘﺎ"‪ ،‬اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر ﻓﯾﮫ "ﺳﺑﯾﻧوزا" أن ﷲ ﻣﺣﺎﯾث ﻟﻠوﺟود واﻟطﺑﯾﻌﺔ‪ .‬وﺗﻠك‬
‫اﻟﻣﺣﺎﯾﺛﺔ ﺗﻧﻔﻲ وﺗﻠﻐﻲ ﻛل ﺛﻧﺎﺋﯾّﺔ ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﺗراﺗب ﺑﯾن اﻟﻣوﺟودات ﻛﺗﻠك اﻟﺗﻲ اﻋﺗدﻧﺎھﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻣﺛل ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺟوھر واﻷﻋراض‪ ،‬وﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟواﺣد واﻟﻣﺗﻌ ّدد‪ ،‬وﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﷲ‬
‫واﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وھﻲ ﻛﻠﮭﺎ ﺛﻧﺎﺋﯾﺎت ﺗﺟﺎوزھﺎ "ﺳﺑﯾﻧوزا" ﻋﺑر إﻗراره ﺑﺄن اﻟوﺟود أو اﻟﺟوھر أو ﷲ‬
‫ﯾﺿ ّم ﻛل ﺷﻲء‪ ،‬وھو ﻋﻠّﺔ ﻛل ﺷﻲء‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ُﻣﺣﺎﯾث ﻟﻛل ﻣﻔﺎﻋﯾﻠﮫ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻛون ﺳوى‬
‫ﺗﻌﺑﯾرات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋﻧﮫ‪ .‬وﻣن ھذا اﻟﻣﻧطﻠﻖ‪ ،‬ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﻘﻠﮫ وﺟﺳده وﺣدة ﻻ ﺗﻘﺑل اﻟﻘﺳﻣﺔ ﺑﺣﯾث‬
‫أن ﻣﺎ ﯾﺟري ﻋﻠﻰ أﺣدھﻣﺎ ﯾﺟري ﺑﻧﻔس اﻟﻘدر واﻟﻛﯾﻔﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻵﺧر ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ زﻋﻣت‬
‫اﻟدﯾﻛﺎرﺗﯾّﺔ ﺣﯾﻧﻣﺎ اﻋﺗﺑرت اﻟﻧﻔس ﺟوھر ﻣﻔﻛر واﻟﺟﺳد ﺟوھر ﻣﻣﺗد‪ .‬وﻋﻣﺎد وﺟود اﻹﻧﺳﺎن ھو‬
‫اﻟ ّرﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻘﺎء‪ ،‬وﺗﻠك اﻟرﻏﺑﺔ ھﻲ ﻛﺗﻠﺔ اﻹﻧﺳﺎن وﺟوھره‪ .‬واﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر "ﺳﺑﯾﻧوزا"‬
‫ﻣﺟﺑر ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺳﯾر ﺑﺈرادﺗﮫ ﻓﻲ طرﯾﻖ ﻣﻌﯾّﻧﺔ ﻣرﺳوﻣﺔ وﻟﯾس ﻟﮫ أن ﯾﺣﯾد ﻋﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻷن ﺿرورات‬
‫اﻟﺣﯾﺎة ﺗﺣ ّدد اﻟﻐراﺋز‪ ،‬واﻟﻐراﺋز ﺗُﻣﻠﻲ اﻟ ّرﻏﺑﺎت‪ ،‬واﻟ ّرﻏﺑﺎت ﺗﺧﻠﻖ اﻷﻓﻛﺎر واﻷﻋﻣﺎل‪ .‬وإذا‬
‫ﻛﺎﻧت "اﻟﺣرﯾّﺔ وﻋﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة"‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻣن واﺟب اﻹﻧﺳﺎن أن ﻻ ﯾﺗو ّھم أﻧﮫ ﺣ ّر ﺑﺈطﻼق ﻓﯾﻣﺎ‬
‫ﯾﻔﻛر ﻓﯾﮫ وﻣﺎ ﯾﻘوم ﺑﻔﻌﻠﮫ‪ ،‬ﻷن ﻣﻧﺷﺄ ذﻟك اﻟظن اﻟﺧﺎطﻲء ھو إدراك اﻹﻧﺳﺎن ﻟرﻏﺑﺎﺗﮫ وﺟﮭﻠﮫ‬
‫ﻟﻸﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ أﺣدﺛﺗﮭﺎ‪ .‬وإذا وﻗﻊ اﻟﻣرء ﻓﻲ ذﻟك اﻟظن اﻟﻣﺗرﺗب ﻋن اﻟﺟﮭل‪ ،‬ﯾﻛون ﺣﺎﻟﮫ ﻣﻣﺎﺛﻼ‬
‫ﻟﻠﺣﺟر اﻟذي إذا اﻓﺗرﺿﻧﺎ أن ﻟﮫ إدراك‪ ،‬ﯾظ ّن أﻧﮫ ﯾﺳﻘط ﻓﻲ اﻟﻣوﺿﻊ اﻟذي ﺳﻘط ﻓﯾﮫ ﻋن إرادة‪،‬‬
‫واﻟﺣﺎل أن ﺳﺑب ﺳﻘوطﮫ اﻟﻔﻌﻠﻲ ﯾﻌود إﻟﻰ ﻧﻔﺎذ طﺎﻗﺔ اﻟدﻓﻊ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺣ ّرﻛﮫ ﻓﺗﺟﻌﻠﮫ طﺎﺋرا‬
‫ﻓﻲ اﻟﮭواء‪ .‬وﺣﯾﻧﺋذ‪ ،‬ﯾﻛون ﻣن اﻟ ُﺧﻠف واﻟﺧطﺈ أن ﻧﻧﺳب اﻟﺧﯾر واﻟﺷ ّر ﻟﮭذا اﻟﺷﻲء أو ذاك‪،‬‬
‫ﻷن اﻟﺧﯾر واﻟﺷ ّر ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﺛل ﺷﯾﺋﺎ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﺑل ھﻣﺎ ﻧﺳﺑﯾﺎن ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺑﺷر وﻟﯾس ﻟﮭﻣﺎ‬
‫وﺟود ﺣﻘﯾﻘﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ .‬ﻓﺈذا ﻣﺎ ﺣﻛﻣﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺑﺄﻧﮫ ﻋﺑث وﺷ ّر‪ ،‬أو أﻧﮫ ﯾﺛﯾر‬
‫ﻓﯾﻧﺎ اﻟﺳﺧرﯾﺔ‪ ،‬ﻓذﻟك ﻷﻧﻧﺎ ﻻﻧﻌرف اﻷﺷﯾﺎء إﻻ ﻣﻌرﻓﺔ ﺟزﺋﯾّﺔ أو ﻷﻧﻧﺎ ﻧرﯾد أن ﺗﺳﯾر اﻷﻣور‬
‫ﻛﻣﺎ ﻧﺷﺗﮭﻲ ﻧﺣن و ﻟﯾس ﺣﺳب ﻣﺎ ﺗﻣﻠﯾﮫ ﻋﻘوﻟﻧﺎ ﻷﻧﻧﺎ ﻧﺟﮭل أن اﻟﻛون وﺣدة ﻻ ﺗﺗﺟزأ‪ .‬ﻓﻣﺎ‬
‫ﻧﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺄﻧﮫ ﺷ ّر ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺷ ّر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺗﺳ ّﯾر اﻟطﺑﯾﻌﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﮫ ﺷ ّر‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟطﺑﯾﻌﺗﻧﺎ ﻧﺣن ﺣﯾن ﻧﻔﺻﻠﮭﺎ وﻧﻧﺗزﻋﮭﺎ ﻣن ﺗﻠك اﻟوﺣدة اﻟﻛوﻧﯾّﺔ‪ .‬وھﻛذا‪ ،‬ﻓﺎﻟﺧﯾر واﻟﺷ ّر‬
‫أوھﺎم ﻻ ﺗﻌرﻓﮭﺎ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺧﺎﻟدة‪.‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﺟﻣﺎل واﻟﻘﺑﺢ ﻣﺟ ّرد أوﺻﺎف اﺻطﻠﺢ ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن‬

                                      ‫‪-‬ص ‪– 13‬‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20